الروايات، من كون الغريم لا يبرأ بالدفع للوكيل إذا لم يعلم بالعزلة، يقتضي أن صاحب الدين إذا طلب المديان وضمّنه، كان للمديان أن يضمِّن من قبض منه، وهو الوكيل.
وبعض أشياخي يشير إلى حمل مثل هذا، مما وقع في الروايات، على تصور الخلاف في ردّ أفعاله لا في ضمانه. وتضمين الغريم من غير أن يُجعَل له مرجع على من قبض منه بتَعدّ. وقد أشار ابن المواز إلى استبعاد ضمان الغريم، حتى قال: ولو كان الغريم علم عزل الوكيل لبرىء بالدفع إليه إذا كان القاضي قد قضى بذلك عليه، لكونه مجبورًا على الدفع. وهذا الإجبار من سبب رب المال مع ما فيه من التغرير بالناس والتحيّل على إتلاف أموالهم.
وإذا ثبت أن العلم بالعزلة له يمنع من قبض الدين فإن هذا في دين خص بالتوكيل. وأما دين لم يخص بالتوكيل عليه في نفسه لكن مقتضى الشرع دفعه للوكيل كوكيل وُكِّل على بيع سلعة فباعها ثم مات الآمر قبل أن يقبض، فإن ابن القاسم منعه من القبض لكون المال صار لغير من وكله. وأصبغ مكنه من القبض. فإذا قبضه نظر فيه الحاكم.
والجواب عن السؤال الثالث أن يقال:
ذكر بعض أصحاب الشافعي أن الوكالة تنفسخ بطروّ الجنون على الوكيل أو الموكِّل. واعتقوا في ذلك بأن الوكالة من العقود الجائزة فوجب أن تنفسخ بالجنون، لكونه طرأ على عقد غير لازم، والمجنون ليس له أن يعقد في حال جنونه، وما قبل جنونه كان العقد فيه غير لازم له. وأيضًا فإن معنى قولنا: إن الوكالة من العقود الجائزة كونُ العقد موقوفًا على اختيار العاقد، والمجنون لا اختيار له، بخلاف النائم لكون النوم معنى طبيعي يتكرر، وينتبه النائم إذا نبّه، بخلاف المجنون.
وهذا الذي قالوه يتفصّل القول فيه عندي:
فأما إن كان الجنون طرأ على الوكيل فلا شك أن جواز التصرف لا ينتقل