الحال أن نبيّن حكم ما أخذوه من جعالة: وقد ذكر في المدوّنة أنّ السلعة إذا ردّت بعيب، ردّ السماسرة الجعل. وقدر أن البيع لمّا ردّ بالعيب، انتقض من أصله، وكأنّه لم يعقد، والسمسار إذا لم يعقد البيع الّذي استؤجِر عليه، فإنّه لا جعل له. وتأوَّل الشيخ أبو بكر بن اللّبّاد هذا على أنّ البائع لم يدلّس. فأمّا إن دلّس بالعيب، فإنّه لا يلزم السماسرة ردّ الجعل، لكون البائع لمّا دلّس صار قاصدًا إلى إتعاب السمسار واستخدامه على جهة التّغرير به في خدمته لمّا علم البائع أنّها تذهب باطلًا إذا ردّ البيع بالعيب. وقال الشّيخ أبو الحسن بن القابسي تتميمًا لهذا الّذي قاله ابن اللّبّاد: هذا أيضًا إذا كان السمسار غير عالم بأنّه قد دلّس البائع بالعيب. وأمّا إن كان السمسار عالمًا بتدليسه، فإنّه يكون له أجر مثله. فقدّر أنّه إذا كان السمسار عالمًا بهذا التّغرير به، ارتفع بعلمه هذا كون البائع مغرّرًا به. ولكنّه قضَى له بأجر مثله، وكان ينبغي أن يقضى له بالتسمية، لأنّ هذا الفساد الّذي تواطأ عليه البائعُ والسمسارُ من ناحية العقد وكونه عقدًا محرّمًا، والبائع استأجر السمسار إجارة ممنوعة فاسدة من ناحية عقدها؛ وما فسد من جهة عقده فات فيقضى فيه بالتّسمية. لكن هذا يمكن، كما قال الشّيخ أبو الحسن، فيه أنّه فساد من ناحية الأثمان، لكون الجعل في نفسه غررًا، فأجيز للضّرورة، كما يرتفع الغرر إذا أنهى العامل عمله وبلغ نهايته. كالجعل على طلب الاَبق، فإنّ الآبق إذا حصل ارتفع الغرر بحصوله. وهذا السمسار يُنهي العمل نهايته، وهو أن ينفذ بيع السلعة، ثُتم يبقى بعد ذلك مترقّبًا بردّها بالعيب، فصار هذا غررًا من ناحية الأثمان، ففسد هذا الجعل لذلك. فيقْضَى فيه بإجارة المثل، ويجعل المثل على الخلاف في ذلك إذا فسد الجعل. وسنبسط سببه إن شاء الله تعالى في موضعه.
ولو تراضيا المشتري والبائع بردّ السلعة بعيب، لم يلزم السمسار ردّ الجعل إذا أنكر تراضيهما، إلاّ أن يقضي القاضي بردّ البيع.
فلو لم تردّ السلعة بعيب إلاَّ بعد أن فاتت، وقضي للمشتري بقيمة العيب، فإنّه إنّما يردّ من الجعل مقدار ما أخذه قيمة من العيب, لأنّ أخذ قيمته يتضمّن