قبضه ثلثه، وثلثاه عنده بحكم الأمانة.
وغلّط ابنُ حبيب ابنَ القاسم في هذا الإستدلال بالدّينارين على الثّياب.
وأشار إلى أنّ الدّينارين يتّضح كونهما قبضا على الأمانة، بخلاف الثّوبين المخيّر فيهما.
وأنكر بعض الأشياخ هذه التفرقة عليه لمّا كان الدّينار مخيّرًا فيه كما كان الثّوب مخيّرًا فيه. فإذا كان التّخيير يوجب ضمان الجميع، فلا فرق في هذا بين ثياب أو دنانير. واستعظم إطلاقه الغلط على ابن القاسم.
وذكر ابن حبيب أنّ الّذي ذكره مالك، من كون الدّنانير فيها مضمون، ومؤتمن عليه، إنّما يتّضح إذا كانت من الكثرة بحيث يعلم أنّ فيها وازنًا يأخذه قابضها قضاء عن دينه. فإذا لم يكن كذلك، فإنّه يحلف أنّه ما علم فيها وازنا ولا يضمن منها شيئًا. وذكر أنّ هكذا قال له من كاشفه من أصحاب مالك.
وقد ذكر في الموّازيّة عن ابن القاسم، فيمن طلب رجلًا بعشرة دنانير دينًا له عليه، فأعطاه دنانير ليزنها ويستوفي حقّه منها ويردّ ما زاد على حقّه، وإن نقصت عن حقّه، عاد إليه ليوفّيه، أنّها مضمونة، لكونها لا تنفكّ أن تكون قضاء أو كالرّهن بحقّه.
وأشار أصبغ إلى حملها على كونها قضاء لمّا كانت لا ترجع إلى يد صاحبها. وذكر أنّه سأل ابن القاسم عن الحالف لرجل ليقضينّه حقّه إلى أجل سماه، فدفع إليه عند حلول الأجل دنانير على مثل الصفة، أنّه يحنث إن لم يدفعها إليه على وجه القضاء.
فإذا تقرّر هذا، فإنّ من في يده الثّوبان، اللّذان زعم أن أحدهما ضاع، إذا ادّعى أنّه ما ضاع إلاّ بعد أن اختار الباقي، فإنّه اختلف في هذا، هل يصدق فيه ويكون لا ضمان عليه فيما ضاع لكونه بقي في يديه على حكم الأمانة لمّا أسقط خياره فيه؟ أو لا يصدق في هذا، ويتّهم أنّهْ إنّما ادّعى ذلك ليسقط الضّمان عن نفسه؟