وقوع الغلط والخطأ فيما أذن الشّرع في التصرّف فيه كالعمد في تلف الأموال، كمن تصرف في الطّرقات الّتي أباح الشّرع له التصرّف فيها ولغيره من النّاس.
فمن عثر على مال فأتلفه فإنّه يضمنه، لمّا دعت الضّرورة إلى صيانة الأموال عمّا لا قدرة عليه لمالكها في صيانتها.
فإذا كان الخطأ على إذن خاصّ وقع في هذا الإختلاف. كما اختلف المذهب عندنا فيمن أذن لرجل في دخول بيته فمرّ على مال فأتلفه غلطًا منه.
وحسّن الخلاف في هذا لكون المالك قادرًا على أن يصون ماله عن هذا الّذي زعم أنّه أتلفه غلطًا بأن لا يأذن له في دخول بيته.
وكذلك ما نحن فيه قد سلّم كلّ واحد من المتبايعين ثوبه للمشتري بالخيار مع تجويزه أن يشتري ثوبًا غيره، فيختلط عليه الثّوبان. فصار كالدّافع عنه بإذنه عهدة النّسيان والغلط.
أو يقال: إتلاف المال غلطًا كإتلافه عمدًا، والبائع لم يأذن له فيما يؤدّي إلى تلف ماله، فاستوى العمد فيه والخطأ، كما قلناه في الإذن العام.
وإذا قلنا بأنّه يضمن الثّمنين، فإنّ له أن يدفع الثّوب الأرفع، الّذي تداعى فيه البائعان لأحدهما، ويغرم للآخر ثمن الثّوب، لأجل أنّه لو أراد التمسك بكلّ واحد من الثّوبين ودفع ثمنه لبائعه، لم يكن لبائعه أن يمنعه من ذلك. فإذا أسلم لكلّ واحد الثّمن، الّذي اشترى به ثوبه منه، لم يكن للبائع مقال. وكذلك إذا أسلم أحدَهما ثمن الثّوب صار كراضٍ باشترائه. وإذا ردّ على أحدهما الثوب الجيّد صار كمن فسخ البيع فيما اشتراه بالخيار.
ولو اختلف ثمن الثّوبين، لكان أيضًا الحكم كذلك في تخييره بين أن يغرم لكلّ واحد الثّمن الّذي عقده به، أو يضمن لأحدهما الثّوب ويعطي للآخر هذا الثّوب الأرفع الّذي تنازعا فيه، لأجل ما ذكرناه من التّعليل في كونه محكَّما في إمضاء الشّراء أو ردّه.
وقد ذكر ابن كنانة أنّ المشتري لو قطّع أحد الثّوبين، وأتى بالآخر ليردّه،