وذلك أنّ ابن القاسم يبعض الجُمَل، وإن سيقت في سياق واحد، فيعطي الجملة الأولى حكم نفسها. وإذا فعل ذلك فقد تصير الثّانية كالرّجوع عمّا تضمّنته الأولى. فإذا قال: بعتك هذا الثّوب، فإنّ هذه الجملة ظاهرها أنّها تستقلّ في بتات البيع. فإذا قرن بها جملة ثانية فقال: وشرطي في الخيار، صار ذلك كدعوى رفع بها حكم الأوّل فلا يقبل منه.
وقدّر أشهب أنّ الفائدة والعلم بالمقصد إنّما يحصل بعد استيفاء المتكلّم جميع الجمل. فإذا فرغ منها حكم عليه بما اقتضاه مجموعها, لأنّه لم يقرّ إلاّ على صفة أو شرط، فلا يؤخذ بأكثر مِمّا أقرّ به. فإذا قال: بعتك وشرطت الخيار، لم يتضمّن هذا الإقرار أكثر من عقد بخيار. فلا يقدّر أنّه صار مقرًّا مدّعيًا.
وهذا مثل اختلافهما في قول رجل: أخذت منك هذا المال وديعة؛ وقال الآخر: بل أسلفتك إيّاه. فإن ابن القاسم يقدّر أنّ إقراره تضمّن تسليم ملك ما أخذ للمقرّ له. فإذا سلّم ذلك، صار مُدَّعىً عليه أنّه ائتمنه عليه. فلا يقبل دعواه ما يرفع حكم تسليم الملك للمقرّ له.
وقدّر أشهب أنّه لم يقرّ له بتسليم الملك مطلقًا، بل على صفة، وهو كونه سلم ملكه إليه مؤتمنًا عليه.
ولم ينقل عنهما اختلاف فيمن قال: عندي لك دين وقضيتك إيّاه. لأنّ هذه الجُمل يترتّب بعضها على بعض في حكم العقل، فيترتّب أيضًا في حكم الشّرع. وذلك أنّه معلوم أنّ القضاء للدّين لا يكون إلاّ بعد استقراره في ذمّة، وإذا استقرّ في الذّمّة، فحينئذ يمكن قضاؤه. فيصير (?) المقرّ قد تضمّن إقراره بدين ترتّب في الذّمّة، ثمّ يدّعي أنّه قضاه بعد ذلك فلا يقبل منه، كما لو أقرّ بدين، إقرارًا مطلقًا، ثمّ زعم بعد مدّة أنّه قضاه. وهذا تبسط فروعه في موضعه إن شاء الله تعالى.