شرح التلقين (صفحة 1785)

والأظهر من هذه التأويلات أنّه في المدوّنة فرّق بين البائع والمشتري.

وإليه يشير القاضي أبو محمّد عبد الوهاب، وذلك أنّه ذكر أنّ البائع إذا كان هو المشترط رضي هذا الثّالث، فإنّ له مخالفة هذا الثّالث. وإن كان المشتري هو الّذي اشترط رضي هذا الثّالث، فإنّ ابن القاسم اختلف هل له مخالفة هذا الثّالث أم لا؟ فأشار إلى ارتفاع الخلاف في جنبة البائع وحصوله في جنبة المشتري.

واعتُلّ بالمساواة بينهما، في كون كل واحد منهما له مخالفة هذا الثّالث، بأنّ هذا الثّالث فرع عنهما, ولا يمكن أن يثبت الحقّ للفرع ولا يثبت للأصل.

واعتلّ للتّفرقة بأنّ البائع أقوى سببًا من المشتري لكون الملك ثابتًا له، فلا يكون غيره أكثر تحكّمًا في ملكه الثّابت منه هو في نفسه. والمشتري لا ملك له على المبيع، وعقده لأجل الخيار محلول، ولا يملك التحكّم في هذا وهو لم يستقرّ ملكه عليه دون من اشترط رضاه.

وقد أشار بعض الأشياخ إلى فرق آخر، فقال: إنّ المشتري إذا اشترط رضي فلان، فإنّه يمكن أن يكون اشترى له شراء وكالة. وإذا اشترى له شراء وكالة على أنّ الخيار له، فإنّه لا يختلف في أنّه لا يتحكّم في هذا دون من اشترى له هذه السلعة على الخيار. وإذا كان فعله محتملًا لوجه يتّضح أنّه لا ينفرد فيه بالخيار، حمل على كونه لا ينفرد بالخيار على الإطلاق. والبائع لا يتصوّر هذا فيه غالبًا لأنّ السلعة في يديه، واليد دليل الملك، والإنسان إذا باع ملك نفسه، فلا يقال: إنّه باع ذلك لغيره.

فأنت ترى كثرة هذا الإضطراب في ضبط المذهب. وإنّما ذكرناه حتّى يتحقّق عندك ما قدّمناه من كون المذهب قد يعسر ضبطه في هذه المسئلة على التّحقيق.

ولو لم يجعل للثّالثّ إلاّ المشورة، فإنّ الظّاهر من المذهب أنّ هذا الإشتراط لا يلزم مشترطه لإشعار المشاورة بجواز المخالفة. بخلاف أن يشترط رضاه أو خياره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015