وقد ذكر ابن سحنون أنّ الحديث الوارد فيما أفسدت المواشي من الزّراع من كون أرباب المواشي يضمنون ذلك نهارًا ولا يضمنونه ليلًا (?)، ليس على عمومه، وإنّما المقصود به مدينة النبي، عليه السلام، وأمثالها مِمّا لمزدرعاتها حيطان وحصائر تحصر بها، فيصير أهلها بما فعلوه من تحضير قد بذلوا الجهد في صيانة أموالهم. وأمّا ما كان مهملًا غير محضر قال: كزرع السواحل، فإنّ أرباب المواشي يضمنون ما أصابت ليلًا أو نهارًا، لكون أهلها لم يتولّوا صيانتها بالتّحضير عليها، وإنّما عوّلوا على ما أوجبه الشّرع من تحريم إفساد مال المسلم والتّسليط عليه. فإذا أتوا، أربابُ المواشي، شاهدوا الزّرع غير محضر عليه علموا أنّ مواشيهم إن سرّحوها أفسدت الزّراع، فإذا سرّحوها ولم يمنعوها من الإفساد، صاروا هم المفسدين للزّراع. والّذي قدّمناه لك من التّنبيه على المُوازنة بين الضّررين هو المعتمد عندي في هذا الباب.
وذكر في المدوّنة أنّ من وصّى في مرضه أن يشتري عبد ولده بثمن لم يحاب فيه، أنّ ذلك نافذ. وكذلك إذا أوصَى أن يبتاع عبدًا من ولده بقيمته ولم يحابه، والمحاباة ها هنا تعتبر في القيمة، وتعتبر في عين العبد، فإنّه لا تنفذ وصيّته إذا أوصى أن يباع منه عبد من خيار عبيده مِمّا يتنافس فيه الورثة ويشحّون عليه لعينه. وهذا يبسط في موضعه إن شاء الله تعالى.
ولو وصّى أن يباع عبده من ولده، جرى الولد ها هنا مجرى الأجنبيّ، لكون هذه الوصيّة لا منفعة للولد فيها، وإنّما منفعتها للعبد الموصى بعتقه. ولو قال: اشتروا عبده للعتق، لكان في ذلك اختلاف، لكون الولد يزاد على القيمة، فيصير انتفاعه وصيّة لوارث. أو يقدّر أنّ القصد إعتاق العبد وخروجه من ملك الولد وتنفيذ الوصيّة. ولعلّنا أن نبسط هذا في موضعه، إن شاء الله تعالى.
ونشير إليه أيضًا في كتاب النّكاح إذا زوّجه ابنته في مرضه، وحمل عن الزّوج