وأمّا بيعه بعد أن حصد، فقيل بجواز ذلك. واشترط في قول آخر أن يكون على صفة يمكن حزره ومعرفته وهو عليها.
وأمّا إذا حصد ودرس، فإنّه لا يجوز بيعه مخلوطًا بتبْنِه للجهالة بمقدار القمح مِمّا خالطه. لكن إن بيع على الكيل، على أن يكتال وقد صُفّي، جاز ذلك إذا شاهد القمح وعرف صفته.
قال القاضي أبو محمّد رحمه الله: ويجمع بيع الغرر ثلاثة أوصاف، أحدها: تعذّر التّسليم غالبًا. والثّاني: الجهل. والثّالث: الخطر والقمار. فأمّا ما يرجع إلى تعذّر التّسليم، فكالآبق والضّالّة والمغصوب، والطّير في الهواء، والسمك في الماء، وبيع الأجنّة واستثنائها، وحَبَل الحبلة، وهو نتاج ما تنتج النّاقة، والمضامين وهي ما في ظهور الفحول.
قال الإِمام رحمه الله: يتعلّق بهذا الفصل ثلاثة أسئلة منها أن يقال:
1 - ما حكم بيع الآبق والضّالّة؟
2 - وما حكم بيع الأجنّة واستثنائها؟
3 - وما حكم بيع حبل الحبلة والمضامين والملاقيح؟
فالجواب عن السؤال الأوّل أن يقال: بيع الآبق لا يجوز، عند مالك والشّافعي وأبي حنيفة، علم موضعه أم لا. وأجاز ذلك ابن سيرين إذا علم موضعه. وإذا لم يجز العقد عليه عند فقهاء الأمصار لا يصحّح العقد المجيء بالغائب عندنا وعند الشّافعي. ولا يجب تسليمه، لارتفاع الغرر لمّا حضر، لكون العقد الّذي التّسليم فرع عنه وقع فاسدًا. وأمضى ذلك أبو حنيفة وأجاز التّسليم، لأنّه يرى أنّ العقود ثلاثة: عقد صحيح وهو ما لا ترقّب في إبطاله، وعقد باطل وهو ما لا ترقّب في صحّته، وعقد فاسد وهو مِمّا تترقّب صحّته، كبياعات الشّروط الفاسدة كالبيع والسلف أو بيع أمة على أن يتْخذها المشتري أمّ ولد. وقد قدّمنا نحن أحد القولين عند إمضاء العقد إذا أسقط الشّرط الفاسد.