النّخل، فقال أصحابنا: لمّا جاز بيع الثّمرة الّتي لم تطب بطياب بعضها، وكان ما لم يطلب منها تبعًا لما طاب، فكذلك يجوز اشتراط الخلفة في العقد على أصولها لكونها تبعًا لها أيضًا. وقال الآخرون: قد علم أنّه لا يجوز لمن اشترى ثمرة نخل هذا العام أن يشترط ثمرة العام الآخر، ولا يصحّ أن يجعل ثمرة العام الثّاني كالبيع لثمرة العام الّذي اشتراه. وكذلك لا يجعل الخلفة الّتي توجد في ثاني حالٍ بيعًا لأصولها الموجودة في حين العقد.
وينفصل أصحابنا عن هذا بأنّ ثمرة العام الثّاني لم يتّصل وجودها بوجود ثمرة العام الأوّل، بل تخلّل بينها عام فصل بين الوجودين، فكلّ وجود له حكم نفسه، ولا يصحّ أن يجعل تبعًا لغيره. بخلاف الخلفة الّتي يتّصل وجودها بوجود أصولها من غير فصل، فصار الاتّصال ها هنا معتبرًا دافعًا للغرر ومقتضيًا للجواز، كما أجزنا إجارة الضّئر وإن كان لبنها الّذي ترضعه بعد عقد الإجارة غير موجود حين العقد، لكن تتابُعُ الوجود يصيّر الثّاني حاصلًا كالأوّل في الحكم. فكذلك منافع الدّيار يجوز العقد عليها وإن كان ما يحدث من المنافع بعد العقد غير موجود حين العقد ولم يخلق بعد. وقد مرّ أبو حنيفة على منع بيع ما لم يخلق حتّى منع من بيع ثمرة بعد الزّهوّ بشرط التّبقية إلى أن يصير ثمرًا، لكون ما يخلق من الألوان والطّعوم في الثّمرة بعد زهوّها لم يخلق بعد، وشراء ما لم يخلق لا يجوز. وأجازه الشّافعي ومالك. فأمّا الشّافعي فإنّه يرى أنّ هذا التّغير تغيّر أعراض لا تغيّر زيادة أجسام إلى أجسام، فلهذا أجازه، بخلاف اشتراط الخلفة الّتي هي عنده أجسام لم تخلق. ولهذا أشار مالك أيضًا لمّا منع من شراء القصيل بشرط أن يقيم أيّامًا ليعظم، وشراء صوف على ظهور الغنم بشرط أن يقيم أيّامًا ليطول، فقال: هذا يمنع، بخلاف اشتراط تبقية الثّمرة لتصير تمرًا, لأنّ الثّمرة إنّما تحدث فيها زيادة نضج وحلاوة، فأشار أيضًا إلى أن تبدّل الأعراض بخلاف زيادة الأجسام. وهكذا مرّ أيضًا أبو حنيفة على هذا الأسلوب، فمنع من شراء طعام أو غيره في الذّمّة، إلاّ بشرط أن يكون المسلم فيه موجودًا في الطّرفين، حين العقد وحين القبض. فأمّا اشتراطه وجوده حين القبض فلا