ويمكن أن يقال: لا يفسخ في هذه، ويفسخ في الجمعة، لكون الجماعة شرطًا في إقامة الجمعة، فمن المصلحة منع كلّ ما يؤدّي إلى افتراق جمعهم والإخلال بشرط لا تصحّ الجمعة إلاّ به، مع كون البيع يوم الجمعة قد يتكرّر. والّذي يخشى أن تفوته صلاة العصر إن اشتغل، لم يشترط عليه إيقاعها في جماعة فيفتقر إلى حماية الذّريعة في أن لا يخلّ بالجماعة. وقد كان شيخنا رحمه الله يقول: كثير من العوام يؤخّرون صلاة العصر اشتغالًا بما يبيعونه في الأسواق ويبتاعونه. وهذا يقتضي منع معاملتهم حينئذٍ ومنع أكل ما يشترى منهم إذا قيل بالفسخ.
وأمّا ما يرجع فساده إلى الثّمن، فإنّه يفسخ إن كانت السلعة قائمة. وإن فاتت، فإن كان الفساد مجمعًا عليه، أغرمت القيمة، وإن كان مختلفًا فيه، فإنّ الواجب أيضًا القيمة. وروي عن مالك أنّه يمضي بالثّمن وهذا مراعاة للخلاف.
وقد كنّا ذكرنا نحن فيما تقدّم مذهب ابن مسلمة وأنّه يرى أنّ الفسخ بعد القبض استحسان، وإذا كان استحسانًا مضى بالثّمن. وبيع الجمعة، وإن رجع الفساد إلى العقد، فإنّه يفوت بحوالة الأسواق. وبيع المدبر، وإن رجع إلى العقد، فإنّه لا يفوت بحوالة الأسواق بل بالعتق أو الموت، وهذا لحُرمة عقد الحرّيّة الّتي حصلت فيه. وهكذا رأى ابن عبدوس أنّ بيع التّفرقة بين الأمّ وولدها لا يفوت يحوّالة السوق.
قال القاضي أبو محمّد رحمه الله:
وبيع المباطيخ (?) جائز ببدوّ صلاح أوّله وإن لم يظهر ما بعده. وكذلك الأصول المغيّبة في الأرض كالبصل والجزر والفجل. وكذلك الورد والياسمين إذا انتُفِع به. ويكون للمشتري لآخر (?) إبّانه. وكذلك الموز إذا ضرب فيه أجل.
ولا يجوز اشتراء الكتّان إذا استثنى البائع حبّه، ولا القرط واستثنى برسيمه