عن مباشرة الفعل لا يعود إلى نفس المبيع أو خاصيّة من خواصّه وصفة لازمة له. وإن قلنا: إنّ النّهي يدلّ على الفساد، قولًا مطلقًا، اقتضى هذا فسخ العقد.
وقد بيّنّا هذا أيضًا على اعتبار هذا النّهي، هل هو لحقّ الله سبحانه، لئلا يشتغل عن الصّلاة المفروضة فيفسخ البيع. أو هو لحقّ الخلق، لئلاّ ينفرد من لم يحضر الصّلاة بالأرباح دون عامّة النّاس، كما نَهى عن تلقّي الرّكبان مصلحة لعامّة النّاس، فلا يفسخ هذا البيع، كما لا يفسخ بيع المصرّاة لمّا كان النّهي عن التّصرية راجعًا لحق الخلق.
وأمّا ما وقع في الثّمانية، فهو راجع إلى أنّ الفسخ لا يلزم، ولكنّه عاقب من تكرّر هذا منه بفسخ عقوده.
وإذا قلنا بالفسخ، فمذهب سحنون وابن عبدوس أنّه يمضي بالثّمن إذا فات المبيع. ومذهب أشهب وابن القاسم أنّه يقدَّم فيه القيمةَ إذا فات المبيع.
واختلفا في الوقت الّذي تعتبر فيه القيمة. فقال ابن القاسم: حين القبض، قياسًا على سائر العقود الفاسدة. وقال أشهب: بل بعد فراغ الصّلاة وذهاب الزّمن الّذي يحرم فيه العقد. وكأنّه رأى أنّ التّقويم كضرب من المعاوضة، والمعاوضات حينئذٍ نهي عنها. واختار ابن حبيب مذهب أشهب، واحتجّ أنّه لا يختلف في بيع ثمرة بيعت قبل الزّهوّ أنّ التّقويم إنما يكون بعد أن حلّ بيعها.
وهذا الّذي قاله لا يُسَلَّمُ. بل لوْ جدّ الثّمرة قبل الزّهو، لقوّمت حينئذٍ، وإن كانت حينئذٍ لا يحلّ بيعها على التّبقية.
وإذا وضح ما قلناه في بيع الجمعة وعلّة المنع، فإنّه يتصوّر فيه صورة أخرى مشاركة لبيع الجمعة. وذلك فيمن أخّر صلاة العصر حتّى بقي بينه وبين الغروب ما إن اشتغل بالبيع، فاتته الصلاة، وكان إيقاعها بعد ذلك قضاء لا أداء، فإنّه محرّم عليه الاشتغال بالبيع عن صلاة استحقّت هذا الوقت. وقد اختلف فيمن فعل هذا، فقال إسماعيل القاضي يفسخ بيعه. وهو اختيار الشّيخ أبي عمران لوجود العلّة المذكورة في صلاة الجمعة في هذه المسئلة. وقال ابن سحنون: لا يفسخ.