أنّه مكّنه من جدّ هذه الثّمرة إذا بدا صلاحها. والتّمكين يعدّ كالقبض على أحد القولين. والبيع الصّحيح بعد حصول القبض ينفذ بغير خلاف على حسب ما قدّمناه. وقد تأوّل أيضًا من خالف أصحاب هذا المذهب هذه الرّواية على المراد بها أنّه يردّ مثل المكيلة يوم باعها وأفاتها بالبيع، وقد علم كيلها يوم أفاتها بالبيع. فلمّا وجب نقض البيع الأوّل الفاسد ردّ مثل المبيع لكون المبيع مكيلًا، كما يردّ قيمة العرض إذا فات، وقد وجب نقض البيع فيه.
وأشار بعض أشياخي إلى تأويل آخر وهو أنّ الضّمان في الثّمرة على بائعها ما دامت محتاجة إلى السقي، على ما سيأتي في كتاب الجوائح، وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ الجائحة يطلب بها المشتري الأوّل، الّذي اشترى شراءًا فاسدًا، مَن باع الثّمرة منه. فإذا كان لكلّ واحد منهما على من (?) باع منه الطّلب بحكم الجائحة، وكان الضّمان من البائع وجب أن يردّ مثل المكيلة تمرًا، وهي الحالة الّتي سقط بها الضّمان عن البائع الأوّل وعن البائع الثّاني.
وكأن هذا اعتذار منه عن وجوب ردّها تمرًا، وهو لم يفتها بالبيع إلاّ قبل أن تصير تمرًا، على مقتضى ظاهر الرّوايات في وجوب ردّ مثل المكيلة تمرًا، وإن وقع البيع الصحيح قبل أن يصير تمرًا.
وهذا الاعتذار منه يتعلّق بالكلام على مسئلة أخرى، وهي أنّ من باع قبل الزّهوّ فتركه حتّى زهي فجدّه رطبًا، فإنّ البيع فاسد، ويجب عليه ردّ قيمة الرّطب إذا فات، وفات إبّانه حتّى لا يوجد مثله ولو كان مكيلًا.
(أمّا عقد البيع على كونه جزافًا وتعذّر وجود ردّ مثل المكيلة تمرًا وإن وقع البيع صحيحًا قبل أن يصير تمرًا) (?). وأمّا لو لم يتعذّر وجود مثله، ولكنّه علم كيله بعد العقد، فإنّا قدّمنا ما وقع في ذلك لبعض أشياخي من إضافته إلى المذهب قولين في هذا.