شرح التلقين (صفحة 1294)

وهذا الذي ذكره في المدونة، في مسألة الصباغ، يوجب أن يكون اختلاف المسلم والمسلم إليه في برّ أو تمر، يصدّق المسلم إليه فيما ذكر أنه عليه. وهذا الذي خرجه رحمه الله فيه نظر، وذلك أن الصباغ لما أسلم إليه الثوب وأمر بصبغه صار مؤتمنًا على ما يفعل فيه، مصدق فيما ادعاه من الصِّباغ، كما صدق في أحد القولين مالك المشتريَ في مبلغ ثمن السلعة، إذا سلمها البائع إليه. وعلّل ذلك بأنه اؤتمن على ما دفع إليه، مع كون صاحب الثوب يدعي على الصباغ تعديًا قد يوجب عليه غرامة قيمة الثوب، والأصل براءة ذمته، فلم يقبل قول صاحب الثوب في دعواه دينًا في ذمة المشتري كما لم تقبل دعواه، على الرواية المشهورة، إذا فاتت السلعة ووجب على المشتري غرامة الثمن في إلزام المشتري غرامة ما يدعيه عليه؛ وكما قيل، في الوكيل إذا قال: أمرتني أن أشتري لك تمرًا، وقد فعلت. وقال الموكل: بل برّا ... إنه لا يصدف الموكِّل لأنه يدعي إيجاب غرامة على الوكيل، والأصل براءة ذمته، على ما سيرد بيانه في كتاب الوكالات.

وأما عبد الملك فإنه إنما استلوح ما ذهب إليه، في اختلاف المتبايعين، في هل كان السلم في قمح أو شعير؛ فإنما صار إلى ذلك لأنه لما رأى أن التفاضل بين القمح والشعير لا يجوز، استشعر من ذلك أنهما كصنف واحد اختلف المسلم والمسلم إليه هل عقد السلم على جيد ذلك الصنف أو رديئه، ولا معنى لاعتبار حكم الربا ها هنا لأن عِلل الربا غيرُ علل التداعي.

وإنما وجب التحالف والتفاسخ في الجنسين لأن المتبايعين لم يقر أحدهما بما ادعاه عليه الآخر من انتقال الملك فإذا قال المسلم: أسلمت إليك في برّ، وقال المسلم إليه: بل في تمر. وقال: بعتك هذه الجارية بمائة دينار.

وقال الآخر: بل اشتريتها بمائة قفيز بر. فصاحب الجارية يدعي أن ثمنها دنانير أو عَرْض غير البر، والمشتري لم يقرّ له بذلك، فصار بمنزلة رجل قال لآخر: بعت منّي ثوبك، ويقول صاحبه: لم أبعه، فإن القول قول المدعَى عليه البيعُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015