شرح التلقين (صفحة 1290)

وفائدة هذا الاختلاف تمكين أحد المتبايعين من الرجوع إلى تصديق صاحبه، وإلزامه موجب ما ادعاه. فإذا قيل: إن الفسخ يقع بنفس التحالف لم يكن للمشتري أن يقبل السلعة بما قال البائع، ولا للبائع أن يُلزِم المشتري السلعَة بما قال المشتري. وإن قلنا: إن الفسخ لا يقع إلا بحكم، كان للبائع أن يرجع إلى تصديق المشتري، وللمشتري أن يرجع إلى تصديق البائع ما لم يقع الحكم بالفسخ، أو يتراضيا به على القول الثالث الذي أشار إليه بعض أشياخي. وقد أشار بعض المتأخرين في مقتضى ظاهر كلامه على هذه المسألة التي أبقى كل رواية على ظاهرها، فقال: إذا تحالفا كان للمشتري أن يقبل بما قال البائع قبل وقوع الحكم على مذهب ابن القاسم. وأشار إلى أن المشتري إنما كان له ذلك لقوة جنبته، ولظاهر الخبر الذي نذكره.

وحكى عن محمَّد بن عبد الحكم أنه يقول: للبائع بعد التحالف أن يرجع إلى تصديق المشتري، على حسب ما حكاه عنه الشيخ أبو محمَّد بن أبي زيد في نوادره، وأشار إلى أن البائع كان له الخيار، قبل أن يحلف، في إلزام المشتري البيع بما ادعاه، فلا يسقط هذا الخيار الثابت له بتحالفهما.

والذي عليه الحذاق من أصحابنا وأصحاب الشافعي أن هذه الفائدة التي أشرنا إليها تطّرد في البائع والمشتري. فإن قلنا: إن الفسخ يقع بنفس التحالف كان ذلك في حق البائع والمشتري، وإن قلنا: لا يقع حتى يقع بحكم الحاكم به، كان ذلك في حق البائع والمشتري أيضًا، ووجه هذا: أن الاختلاف للتنازع في ظاهر الخبر وطرق العبرة فأما الخبر فإنه قال عليه السلام: "إذا اختلف المتبايعان ولا بينة لكل واحد منهما والسلعة قائمة تحالفا وترادا" (?) فأمر بالترادد، وأمْره بذلك يقتضي الوجوب، والرد هو النقض للعقد، فلولا أنه منتقض بنفس التحالف لما أوجب النقض. ويجيب الآخرون عن هذا بأن المراد به أنهما يستأنفان بعد التحالف والفسخِ ردَّ السلعة وردَّ الثمن، ويستدلون على ما

طور بواسطة نورين ميديا © 2015