شرح التلقين (صفحة 1286)

وإلى هذا ذهب شريح. وذكر ابن حبيب أنهما إذا تناكلا كان القول قول البائع؛ ورأى أنه لما كان مقدما على المشتري باليمين عاد الأمر عند نكولهما جميعًا إلى تصديق من بدئ باليمين، كرجل ادعى على رجل بمال، فإن المدعى عليه المبدأُ باليمين على نفي دعوى المدعي، فإن حلف برىء من دعوى المدير، وإن نكل وحلف المدعي استحق ما ادعاه. وإن لم يحلف المدعي سقطت دعواه، وبرىء منها المدعى عليه، كما يبرأ لو حلف اليمين التي بدّأناه فيها. وهذا لا يلزم. وليس هذه القاعدة تطرب إلا إذا كانت اليمين التي بدأت بها أحد الخصمين يفيده إيقاعها بطلان دعوى صاحبه واستحقاقه لما حلف عليه.

والمدعى عليه بمال إذا حلف فقد استقر بيمينه الحكم له ببراءته مما ادعاه عليه الآخر، ولا قدرة للآخر على مقاومة هذه اليمين وردها. والبائع إذا خالف المشتري في الثمن، وبدأناه باليمين، فإنه لا يستحق بيمينه على المشتري ما ادعاه وحلف عليه؛ لأن للمشتري أن يقاوم يمينَه ويردها، بأن يحلف على صحة ما يقول فتسقط يمين البائع التي يحاول بها استحقاق شيء عليه، فلهذا كان المدعى عليه بمال إذا نكل ونكل المدعي عاد التصديق إليه في كونه بريئًا من الدعوى؛ لأنه لو حلف لاستحق براءته من الدعوى، ولم يقدر المدعي على مدافعته عن هذه البراءة. فإذا نكل هو والمدعي عاد الحكم إلى ما يحكم به لو حلف اليمين التي بدأنا به فيها. وكذلك من أقام شاهدًا بمال له على رجل، ونكل عن اليمين مع شاهده، وطلب يمين المشهود عليه، فنكل أيضًا عن اليمين، فإن الطالب يستحق هذا المال من غير مطالبته بيمين؛ لأنه لو حلف أوَّلًا مع شاهده لاستقر له هذا الم الذي ذمة المطلوب، فإذا نكل ونكل المطلوب استحق الحق، وحكم له بالحكم الذي حكم له به لو حلف اليمين التي بدّأناه بهما. فقد اتضح مخالفة تبدية البائع المخالفِ للمشتري في الثمن باليمين، وهو الذي حكيناه من رواية ابن حبيب من كون البائع يقبل قوله، هل مراده أنه يقبل قوله ويأخذ ما ادعاه من الثمن من غير أن يحلف، أو لا يأخذه إلا بعد اليمين عليه؟ الذي يشير إليه أشياخنا أجمعون: أنه يأخذ الثمن من غير يمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015