شرح التلقين (صفحة 1284)

الشافعي إنما ذهب إلى تخيير الحاكم، على ما نسب إليه بعض أصحابه، لكون البائع والمشتري لا مزية لأحدهما على الآخر توجب تبديته. وكذلك رأى أشياخي أن كل واحد من هذين المتبايعين مدع ومدعى عليه، وليس أحدهما أحق بالتبدية من الآخر، فوجب تخيير الحاكم فيمن يبدأ به منهما. ورأى أشياخي أن صرف ذلك إلى القرعة أطيب لنفوسهما، وأقرب إلى ما ورد به الشرع في مثل هذا من القرعة في العتق، لما عتق أحد الصحابة ستة أعبد له.

الحديثَ المشهور (?).

فتلخص من هذا أن في المسألة أربعة أقوال: تبدية البائع، وتبدية المشتري، والتخيير، على رأي من ذكرناه، والقرعة على رأي أشياخي.

فأمّا من ذهب إلى التعبدية بالبائع فإنه يرتجح جَنْبة البائع بظاهر الحديث وهو قوله عليه السلام: "إذا اختلف المتبايعان فالقول قول البائع، أو يترادان" (?) وظاهر الحديث قبول قول البائع من غير يمين، ومن كان قوله هو المقبول هو المبدأ. وإنما أثبتنا اليمين بظواهر أُخَر في هذا الخبر وغيره. وأيضًا فلأن البائع أقدم ملكًا، ومن كان ملكه أقدم وأسبق كان جانبه أوضح. وأيضًا فإنهما إذا تحالفا رجعت السلعة إلى يد البائع، على حسب ما كانت عليه قبل البيع، ورجوعها إليه بعد التحالف: يشعر بأن جانبه أقوى من جانب المشتري لرجوعها إليه دونه.

وأما من ذهب إلى تبدية المشتري فإنه يرى أن الأصل قبول قوله لكونه مدعى عليه زيادة ثمن بعد إقرار البائع له بانتقال الملك إليه، وإذا اتفقا على انتقال الملك إليه واختلفا في المستحق في ذمة المشتري، فقال البائع: بعتك بعشرة. وقال المشتري: بل بخمسة. صارت الخمسة الزائدة كمال انفرد بالدعوى فيه البائع دون المشتري، فيصدق المدعى عليه. ولهذا ذهب أبو ثور

طور بواسطة نورين ميديا © 2015