ويظهر بهذا تفرد شرح التلقين بجمعه بين طريقة البغدادين والمشارقة من أتباع مذهب مالك الذين عنوا بالاستدلال له وبيان الضوابط المرعية، وإبراز طرق ترجيحه، وبين طريقة القيروانيين ومن تبعهم الذين عنوا بالمدونة أتم عناية، فضبطوا نصوصها، وتعمقوا في فهمها.
ومن مظاهر هذا الجمع عنايته بكتاب محمَّد بن المواز فقد أكثر النقل عنه. هذا الكتاب الذي يقول فيه القاضي عياض: ولابن المواز كتاب أي (الموازية) - أجل كتاب ألفه قدماء المالكيين، وأصحه مسائل، وأبسطه كلامًا وأوعبه، وذكره أبو الحسن القابسي ورجحه على سائر الأمهات، وقال: لأن صاحبه قصد إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم في تصنيفه، وغيره إنما قصد لجمع الروايات، ونقل منصوص السماعات. (ترتيب المدارك ج 4 ص 169) كما أنه في هذه الأجزاء الثلاثة روى عن الأسدية مما يدل على أنها لم تترك، وبقيت بين أيدي أهل العلم خلافًا لما ذكره القاضي عياض: قال الشيرازي: الأسدية مر فوضة إلى اليوم. (المدارك ج 2 ص299).
ولما كانت هذه الأجزاء الثلاثة تتناول المعاملات المالية، فإن الناظر فيها يجد فيها إجابات عن كثير من القضايا الاقتصادية المعاصرة، بل قد يجد المازري رحمه الله قد سبق عصره حتى في إطلاق بعض المصطلحات التي يظن أنها لم تشغل الفكر الفقهي للمتقدمين. وذلك كالمرابحة للآمر بالشراء، والمواعدة من الطرفين في الصرف، والبيع بأجرة يتقاضاها المالك مدة حياته (vente viagere).
والمازري بمنهجه المعتمد على إعمال العقل فيما ورد عن الشارع من نصوص لتوليد الأحكام، ورعاية مقاصده، يمكن الدارس لكتابه من ملكة فقهية تفتح له مغالق كثيرة. وتمكنه من الحلول للقضايا المستعصية في النظر الأول.
النسخ المعتمدة:
ينقسم هذا القسم من الشرح إلى قسمين:
القسم الأول: من شروط أخذ طعام عن طعام السلم الصحيح إلى كتاب