شرح التلقين (صفحة 1047)

الواردة فيها. وقد ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - أن الطائفة الأولى أتمت ثم انصرفت للقتال ثم أتت الطائفة الأخرى فصلّي بها. واختلفت الرواة هل سلم بهم أو سلّم وحده؟ وعلى هذا الأثر عوّل مالك رضي الله عنه. واختلف قوله في سلام الإِمام بالطائفة الثانية لاختلاف الرواة في ذلك. وقال ابن عمر صلّى بنا النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاة الخوف بإحدى الطائفتين ركعة. والطائفة الأخرى مواجهة العدو ثم انصرفوا وقاموا مقام أصحابهم. وجاء أولئك فصلّى بهم ركعة ثم سلّم النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قضى هؤلاء ركعة، وهؤلاء ركعة (?). وبهذا الأثر أخذ أبو حنيفة وأشهب.

قال أصحاب أبي حنيفة: ما وصفناه من صلاة الخوف رواه ابن مسعود وابن عمر.

وأما القول الثالث الذي حكيناه عن الشافعي فقد روي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلّى بكل طائفة ركعتين. قال بعض أصحابنا إن ثبت الحديث حمل ذلك على أنه فعل ذلك في الحضر لأنه لم ينقل أنه سلّم من كل ركعتين. وقال بعض أصحاب الشافعي أنه - صلى الله عليه وسلم - صلّى بذات الرقاع بكل طائفة ركعتين. والمراد به ركعة مع الإِمام وركعة في حكم صلاة الإِمام. فهؤلاء حملوه على السفر وتأولوه عليه.

وما حكيناه من أصحابنا تأول الرواية مطلقة على صلاة الحضر. وقد رجح أصحابنا ما تعلقوا به من قوله تعالى: {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} (?).

وظاهر هذا أنهم إنما يكونون من وراء الإِمام ومن معه إذا سجدوا سجودًا ينفردون به. ولا يتصور ذلك إلا بما قلناه من أنهم يكملون الصلاة قبل الانصراف. ولو كان المراد انصرافهم قبل الإكمال. كما قال أبو حنيفة، لقال فإذا سجدت بهم وإذا سجدوا معك فليكونوا من ورائكم. والعدول عن هذا إلى ما يقتضي ظاهره سجودًا ينفردون به يرجح ما تعلق به مالك من الآثار. وكذلك قوله تعالى: {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}. يقتضي ظاهره ردّ قول من قال إن الطائفة الثانية تحرم مع الإِمام وهي في القتال لأنه وصف هذه الطائفة بأنها لم تُصل قبل أن تأتي. وقد جعله بعض الناس أيضًا ظاهرًا في أن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015