قالت: نَعم وبُلوغًا بغيةً ومُنًى ... فالصادقُ الحُبّ مبذولٌ له الأمَلُ
وهذه الأنواع عند أبي الحسن الأخفش وأبي زكريا الفراء مطردة صالحة للقياس على ما سُمع منها. وبذلك أقول لكثرته في كلام العرب، ولما في ذلك من الاختصار والإيجاز. وأكثر المتأخرين يزعمون أن سيبويه يقصرها كلها على السماع، وليس له نصّ على ذلك، بل في كلامه ما يشعر بأن ما كان منها أمرا أو دعاء أو توبيخا أو إنشاء مقيس. فمن كلامه المشعر بذلك قوله في باب ما ينتصب من المصادر على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره "وذلك قولك سقيا ورعيا" ونحو قوله: خيبة ودَفْرا. ثم قال: "ومن ذلك قولك تعْسا وتبّا وجَدْعا ونحوه" ثم قال: "وإنما ينتصب هذا وما أشبهه إذا ذكر مذكور فدعوت له أو عليه على إضمار الفعل".
فقوله: ومن ذلك قولك ولم يقل قولهم فيه إشعار بأنه موكول إلى القياس. وكذا قوْله: ومن ذلك قولك تعسا وتبّا وجَدْعا ونحوه، فأطلق القول بنحوه، فعلم أن مراده القياس وعدم التقييد بالمسموع. مع أن كلامه في جميع الباب موافقٌ لهذا المفهوم. ومثل هذا كلامه في باب ما ينتصب من المصادر في غير الدعاء على إضمار الفعل المتروك إظهاره نحو حمدا وشكرا لا كفرا. وقد نصّ سيبويه على أن باب تراك مقيس، فمن المستبعد ألا يكون عنده باب سقيا مقيسا، مع كون المصدر أصل الفعل وكثير المصاحبة له في توكيد وغيره، فأحق ما ينوب عن الشيء ما كثرت مصاحبته له وإن لم يكن أصله. فإذا ثبت الأصالة مع كثرة المصاحبة لزم الترجيح وكان إلغاؤه غير صحيح.
وأيضا فإن استعمال القياس في باب نزال يلزم منه استئناف عمل واستئناف