لأن النصب الذي تقتضيه المفعولية لا يلزم كونه لفظيا، بل يكتفى فيه بالتقدير، ولذلك جاز أن تزاد بعض حروف الجر مع بعض المفعولات نحو (ردفَ لكم) وخشّنت بصدره، ولولا ذلك لامتنعت إضافة اسم الفاعل إلى المفعول به الظاهر، وأيضا فإن عمل الأسماء النصب أقلّ من عملها الجر، فينبغي عند احتمال النصب والجر في معمول اسم أن يحكم بالجر حملا على الأكثر. وأما جعل حذف التنوين والنون لصون الضمير المتصل من وقوعه منفصلا فمستغنى عنه لوجهين: أحدهما أن حذفه للإضافة محصّل لذلك فلا حاجة إلى سبب آخر. الثاني أن مقتضى الدليل بقاء الاتصال بعد التنوين ونوني التثنية والجمع، لأن نسبتها من الاسم كنسبة نون التوكيد من الفعل، واتصال الضمير لا يزال بنون التوكيد، فكذلك لا يزول بالتنوين ونوني التثنية والجمع ولو قصد النصب. وقد نبّهوا على جواز ذلك باستعماله في الشعر بقول الشاعر:
هم القائلونَ الخيرَ والآمِرونه ... إذا ما خَشوا من مُحْدَث الأمرِ مُعْظما
ومثله قول الآخر:
ولم يرتفقْ والناسُ مُحتَضِرونَه ... جميعًا وأيْدي المُعْتفين رَواهِقُهْ
ويتعين غالبا نصب معمول اسم الفاعل إذا انفصل ظاهرا كان كقوله تعالى: (إنّي جاعلٌ في الأرض خليفةً) أو مضمرا كالهاء التي بعد الكاف في قول الشاعر:
لا تَرْجُ أو تخشَ غير الله إنّ أذًى ... واقِكَهُ اللهُ لا ينفكُّ مأمونا
ومن هذين المثالين وأشباههما احترزت بذكر "متصلا" بعد قولي "إن كان ضميرا" ثم قلت: "وشذّ فصل المضاف إلى ظاهر بمفعول أو ظرف" فنبهت