ثم قلت: "وإذا عُلم جاز حذفه" أي إذا علم المتعجب والمقصود به جاز حذف معمول أفْعَل كان أو معمول أفْعِلْ فمثال حذف معمول أفْعَل قول الشاعر:

جزى اللهُ عنّا بخْتريّا ورهْطَه ... بني عَبد عمرو ما أعَفَّ وأمْجَدا

أراد ما أعفّهم وأمجدهم، فحذف لكون المراد معلوما. ومثال حذف معمول أفعِلْ قول الآخر:

فذلك إنْ يلقَ المنيّة يَلْقَها ... حميدًا وإنْ يَسْتغن يوما فأجْدِر

أي فأجْدِرْ به، فحذف للعلم به مع كونه فاعلا، لأن لزومه الجر كساه صورة الفضلة، ولأنه معمول أفعل في المعنى.

وزعم قوم أنه ليس محذوفا، ولكن استتر في الفعل حين حذفت الباء (كاستتاره) من قولك زيد كفى به فارسا فتقول زيد كفى فارسا. وهذه الدعوى لا تصح، لأن صحتها تستلزم أن يبرز الضمير في التثنية والجمع، كما يبرز في كفى إذا قيل في الزيدان كفى بهما فارسين، والزيدون كفى بهم فرسانا: الزيدان كفيا فاسين، والزيدون كفوا فرسانا. ومعلوم أنه لا يبرز ضمير مع أفعل، كقوله تعالى (أسْمِعْ بهم وأبْصِرْ) فعلم بذلك عدم صحة الدعوى المذكورة. ومما يدل على عدم صحتها أن من الضمائر ما لا يقبل الاستتار كنا من نحو أكرم بنا وأحلمْ بنا فلو حذف الباء ولم يقصد حذف لقيل "أكرم بنا وأحلمنا" لأن "نا" لا تقبل الاستتار، والمقول إنما هو أكرم بنا وأحلمْ بنا ونحو ذلك كما قال الراجز:

أعْزِزْ بنا وأكفِ إنْ دُعينا ... يومًا إلى نُصرة مَن يَلينا

وقد يتوهم أن أفعِل أمر خوطب به المصدر على سبيل المجاز كأن من قال أحسِنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015