محذوفا دون استطالة حكم بما لا نظير له، فلم يعوّل عليه ولا أجيب الداعي إليه.
وأيضا يقال لمَن ذهب هذا المذهب أخبرني عن الخبر الذي ادّعيت حذفه أمعلوم هو أم مجهول؟. فإن قال هو معلوم فقد أبطل الإبهام المقصودُ، وإن قال هو مجهول لزمه حذف مالا يصح حذفه، فإن شرط صحة حذف الخبر ألا يكون مجهولا، وهذا كاف في بيان ضعف القول بأن "ما" التعجبية موصولة بفعل التعجب.
وأما كونها استفهامية وهو قول الكوفيين فليس بصحيح، لأن قائل ذلك إمّا أن يدّعي تجرّدها للاستفهام وإمّا أن يدّعي كونها للاستفهام والتعجب معا، كما هي في قوله تعالى: (فأصْحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة) فالأول باطل بإجماع، لأن اللفظ المجرد للاستفهام لا يتوجه ممن يعلم إلى من لا يعلم، وما أفعله صالح لذلك فلم يكن لمجرد الاستفهام. والثاني أيضا باطل، لأن الاستفهام المشوب بتعجب لا يليه غالبا إلا الأسماء نحو (وأصحابُ اليمين ما أصحاب اليمين)، (وأصحابُ الشمال ما أصحابُ الشمال) و (الحاقَّةُ * ما الحاقَّةُ) و (القارعةُ * ما القارعةُ) ونحو قول الشاعر:
يا سَيِّدًا ما أنت مِن سيِّد ... موطّأِ الأكنافِ رَحْبِ الذِّراع
ومثله:
يا جارتا ما أنت جاره
و"ما" المشار إليها مخصوصة بالأفعال، فعلم أنها غير المتضمنة استفهاما، وأيضا لو كان فيها معنى الاستفهام لجاز أن تخلفها "أيّ في نحو: ما أنت من