أراد أحرِيَنْ فأبدل النون للوقف.
وأما أفعلَ فمختلف في فعليته عند الكوفيين، متفق على فعليته عند البصريين، وهو الصحيح، للزوم اتصال نون الوقاية عاملا في ياء المتكلم نحو ما أفقرني إلى عفو الله، ولا يكون كذلك إلا فعل. ولا يرد على هذا عليكني ولا رويدني، فإنه قد يقال فيهما عليك بي ورويدلي فيستغنى فيهما عن نون الوقاية بالباء واللام بخلاف ما أفقرني ونحوه فإن النون فيه لازمة غير مستغنى عنها بغيرها. والمتعجب منه منصوب بأفعَلَ على المفعولية إن وقع بعده نحو: ما أثبت الحقَّ وما أدحض الباطل، ومجرور بباء لازمة إن وقع بعد أفْعِل نحو أكِرِم بزيد. وما الواقعة قبل أفعلَ اسم مبتدأ بلا خلاف، لأن أفعل ثابت الفعلية ولا بد له من فاعل، وليس ظاهرا فيتعين كونه ضميرا ولا مذكور يرجع إليه غير "ما" فتعين كونها اسما. وبعد ثبوت اسميتها فهي إما بمعنى شيء، وإما بمعنى الذي وإما استفهامية والقول الأول قول البصريين، وهو الصحيح، لأن قصد المتعجب الإعلام بأن المتعجب منه ذو مزية إدراكها جلي، وسبب الاختصاص بها خفي، فاستحقت الجملة المعبر بها عن ذلك أن تفتتح بنكرة غير مختصة ليحصل بذلك إبهام متلوّ بإفهام. ولا ريب أن الإفهام حاصل بإيقاع أفعل على المتعجب منه إذ لا يكون إلا مختصا، فيتعين كون الثاني مقتضيا للإبهام وهو "ما" فلذلك اختير القول بتنكيرها، ولا يمتنع الابتداء بها وإن كانت نكرة غير مختصة، كما لم يمنع الابتداء بمَن وما الشرطيتين والاستفهاميتين.
ووافق أبو الحسن الأخفش على صحة جعل ما التعجبية نكرة، وأجاز كونها موصولة بفعل التعجب مخبرا عنهما بخبر لازم الحذف، فيتحصل أيضا بقوله هذا إفهام وإبهام، فحصول الإفهام بذكر المبتدأ وصلته وحصول الإبهام بالتزام حذف الخبر، إلا أن هذا القول يستلزم مخالفة النظائر من وجهين: أحدهما تقدم الإفهام وتأخير الإبهام، والمعتاد فيما تضمن من الكلام إفهاما وإبهاما تقديم ما به الإبهام وتأخير ما به الإفهام، كما فعل بضمير الشأن ومفسره، وبضميري نعم ورُبّ، بالعموم والتخصيص وبالمميز والتمييز وأشباه ذلك. الثاني كون الخبر ملتزم الحذف دون شيء يسد مسدّه، والمعتاد في الخبر الملتزم الحذف أن يسدّ مسدّه شيء يحصل به استطالة كما فعل بعد لولا وفي عمرك لأفعلنّ، فالحكم بموصولية "ما" وكون الخبر