وحكى الفراء عن الكسائي أنه قال أرادت العرب أن تجعل "ما" بمنزلة الرجل حرفا تاما، ثم أضمروا ما، يشير إلى قولهم الفراء قولهم بئس ما صنعت، معناه بئس الشيء ما صنعته، فما الموجودة عنده فاعل، وما المقدرة مبتدأ، وهذا معنى ما نقله الفراء عن الكسائي، فمذهبه كمذهب سيبويه إلا أن المحققين من أصحاب سيبويه يجعلون التقدير نعم الشيء شيء صنعت. ويقوّي تعريف ما بعد نعم كثرة الاقتصار عليها في نحو غسلته غسلا نِعِمّا، والنكرة التالية نعم لا يقتصر عليها إلا في نادر من القول كقول الراجز:
تقولُ عِرْسي وهي لي في عَوْمره ... بئسَ امرأ وإنني بئسَ المَرهْ
ويقوي أيضا فاعليه ما المذكورة وأنها ليست تمييزا أن التمييز إنما يجاء به لتعيين جنس المميز وما المذكورة مساوية للمضمر في الإبهام فلا تكون تمييزا. ويقوى تعريف ما في نحو مما أن أصنع كونها مجرورة بحرف مخبر به وما كان كذلك فلا يكون بالاستقراء إلا معرفة أو نكرة موصوفة، وما المذكورة غير نكرة موصوفة فيتعين كونها معرفة وإلا لزم ثبوت ما لا نظير له. قال أبو علي في البغداديات في قوله تعالى: (إنّ الله نعِمّا يَعظُكم به) يجوز أن تكون "ما" معرفة وأن تكون نكرة. فإن حملته على أنه معرفة كان رفعا، ولم يكن لقوله (يعظكم به) موضع من الإعراب. وإن حملته على أنه نكرة كانت منصوبة وكان (يعظكم به) نصبا لكونه وصفا للاسم المنصوب". هذا نصه. وينبغي أن يتنبه لتقييدي مميز فاعل هذا الباب بقبول "أل" على أنه لا يجوز أن يكون بلفظ مثل ولا غير ولا أي ولا أفعل من كذا، لأنه خلف عن فاعل مقرون بالألف واللام فاشترط صلاحيته لهما، وكل ما ذكرته آنفا لا يصلح لهما فلم يجز أن يخلف مقترنا بهما.
وقلت غالبا بعد التقييد بلازم، احترازا من حذف المميز في قول النبي صلى الله عليه وسلم