والتوجيه الثاني أن ينصب رأيه وما كان مثله مفعولا به بالفعل الذي قبله مضمنا معنى فعل متعدّ كأنه قيل: سوأ رأيه وشكا بطنه ورأسه. وبهذا الاعتبار قال بعضهم في سفِه نفسَه أن معناه أهلك نفسه.
وقال المبرد: معناه ضيّع نفسه. وقال الزمخشري: معناه امتهن نفسه، وجعله نظير قول النبي صلى الله عليه وسلم "الكبر أنْ يَسْفَه الحقَّ". وقال صاحب "العجائب والغرائب": مَن سفه في موضع نصب بالاستثناء مِن مَن يرغب، ونفسه توكيد للمستثنى، كما يقال ما قام أحد إلا زيد نفسَه.
التوجيه الثالث: أن تنصب رأيه وما كان مثله بإسقاط حرف الجر، كأنه قيل غبن في رأيه ووجع في بطنه وألم في رأسه، ثم أسقط حرف الجر فتعدى الفعل فنصب.
التوجيه الرابع من التوجيهات: أن ينصب رأيه وما كان مثله على التشبيه بالمفعول به، ويحمل الفعل اللازم على الفعل المتعدي، كما حملت الصفة اللازمة على الصفة المتعدية في قولهم: هو حسن وجهه والوجه، وغبن رأيه والرأي ووجع بطنه والبطن.
ومن ذلك قراءة بعضهم "إنّه آثمٌ قلبَه" ومنه قول الشاعر:
وما قومي بثَعْلبةَ بن سَعْد ... ولا بفَزارةَ الشُّعْرِ الرِقابا
إلا أن النصب على التشبيه بالمفعول به شاذ في الأفعال مطرد في الصفات. وإنما كان الأمر كذلك لوجهين: أحدهما أن الصفة اللازمة تساوي الصفة المتعدية في عمل الجر بالإضافة بعد رفعهما ضميرا والجر أخو النصب وشريكه في الفضلية، فجاز أن يساويها في استبدال النصب بالجر والفعل بخلاف ذلك. الثاني أن المنصوب على التشبيه بالمفعول به لو حكم باطراده في الفعل اللازم كما حكم باطراده في الصفة