من قبله الرسلُ) ويدخل في النفي المؤول الاستفهام كقوله تعالى (هل يُهلكُ إلّا القومُ الظالمون) والشرط الذي فيه معنى النهي كقوله تعالى (ومَن يُوَلِّهم يومئذٍ دُبُرَهُ إلّا مُتحرِّفًا لقتال أو مُتحيّزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله) فإن معناه: لا تُولّوا الأدبار إلا متحرّفين لقتال أو متحيّزين إلى فئة. ومن النفي المؤول: زيدٌ غيرُ آكلٍ إلا الخبزَ، وقوله تعالى (ويأبى الله إلا أن يُتِمَّ نورَه) لأن يأبى بمعنى لا يريد. ومنه (وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين) لأن المراد بالكبيرة هنا الصعوبة، فكأنه قيل لا تسهل إلا على الخاشعين.
والحاصل أن المستثنى منه لا يحذف مع إيجاب محض، لأنه يلزم منه الكذب، ألا ترى أن حقيقة قولك رأيت إلا زيدا: عمَّ نظري الناس إلا زيدا وذلك غير جائز. بخلاف لم أر إلا زيدا فإن حقيقته لم أر من الناس إلا زيدا وذلك جائز. فإن كان في الإيجاب معنى النفي لعومل معاملته نحو: عدمتُ إلا زيدا، وصمت إلا يومَ الجمعة، فإنهما بمعنى لم أجد ولم أفطر. ومن النفي بالمؤوّل قولهم: قلّ رجلٌ يقول ذلك إلا زيدا، وأقل رجل يقول ذلك إلا زيدا.
وأشرت بقولي "وربما حُذف عامل متروك" إلى قول الشاعر:
تَنُوطُ التَّميمَ وتأبى الغَبُو ... ق من سنة النوْمِ إلّا نهارا
يصف امرأة بالتنعّم وكثرة الراحة، فهي تأبى أن تغتبق، أي تغتذي بالعشيّ لئلا يعوقها عن الاضطجاع للراحة. ثم قال: إلا نهارا، يريد لا تغتذي الدهر إلا نهارا. هذا معنى قول الفارسي. وأولى من هذا التقدير أن يكون أراد، وتأبى الغبوق والصبوح إلا نهارا، فحذف المعطوف وأبقى المعطوف عليه وهو كثير. ومما حمل على ذلك قوله تعالى (سرابيلَ تقيكم الحَرّ) أي الحرّ والبرد وقول امرئ القيس: