معناه واكل أمره إلى الليالي، وتقدير العطف فيه تكلّف بيّن. وأشرت بقولي "ولا مانع" إلى نحو: لاتَنْه عن القبيح وإتيانَه أي مع إتيانه، فالعطف هنا ممتنع بيّن الامتناع. وكذا في استوى الماء والخشبة، وما زلت أسير والنيل ونحوهما مما سبق الكلام عليه في شرح صدر الباب. وأشرت بقولي "ولاموهِم" إلى نحو ما صنعت وأباك، فإن نصبه على المعيّة مختار وعطفه جائز على ضعف، لأن المعطوف عليه ضمير رفع متصل غير مفصول بينه وبين العاطف، وما كان كذلك فعطفه ضعيف، وأكثر ما يكون في الشعر كقول الشاعر:
ورَجا الأخَيطِلُ من سفاهةِ رأيِه ... ما لم يكن وأبٌ له لينالا
فلو نصب الأب لكان أجود لما تبين من ضعف العطف. وأشرت بقولي "خيف به، أي بالعطف فوات ما يضر فواته رجح النصب على المعيّة" إلى نحو لا تَغْتَذ بالسَمك واللّبن، ولا يُعجبك الأكل والشبَع بمعىن لا تغتذ بالسمك مع اللبن، ولا يعجبك الأكل مع الشبع، فالنصب على المعية في هذين المثالين وأمثالهما يبيّن مراد المتكلم، والعطف لا يبيّنه فتعيّن رجحان النصب للسلامة به عن فوات ما يضر فواته، وضَعُف العطف إذ هو بخلاف ذلك.
فإن كان الفعل الذي قبل الواو غير صالح للعمل فيما بعدها وحسن في موضعها "مع" جاز فيما بعدها أن يجعل مفعولا معه، وأن ينصب بفعل صالح للعمل فيه، مثاله قوله تعالى (فأجْمِعوا أمرَكم وشركاءَكم) فلا يجوز أن يجعل "شركاءكم" معطوفا، لأن أجمع لا ينصب إلّا الأمرَ والكيد ونحوهما، ولك أن تجعل شركاءكم مفعولا معه، وأن تجعله مفعولا بأجمعوا مقدرا كأنه قيل فأجمعوا أمركم وأجمعوا شركاءكم. ومثله (والذين تبوّءوا الدارَ والإيمانَ) فلك أن تجعل الإيمان مفعولا معه، ولك أن تنصبه باعتقدوا مقدّرا.