قلت: وكان حق الواو إذ هي معدية أن تجرّ ما عدّت العامل إليه كما فعلت حروف الجر. إلا أنها أشبهت الواو العاطفة لفظا ومعنى فلم تُعط عملا، بل أُعطيتْ مثل ما أعطيت العاطفة في اتصال عمل ما قبلها إلى ما بعدها لا على سبيل الإتباع. وكان في ذلك أيضا تنبيه على أن أصل المجرور بحرف أن يكون منصوبا ولكنه جُرّ لفظا. فحكم على موضع مجروره بالنصب إذا لم تتمحض فاعليته فإنه معدّ ليظهر بذلك مزية المتعدي بنفسه على المتعدي بواسطة. وقد ترتّب على شبه الواو المرادفة لمع بالواو العاطفة ما ذكرته، وأمر آخر وهو أنها لم تجرِ مجرى "مع" في جواز التقديم بل جرت مجرى العاطفة في التأخّر، وسيأتي ذلك إن شاء الله تعالى.
وكان الزجاج يقول: إذا قلنا ما صنعت وأباك، فالنصب بإضمار كأنه قال ما صنعت ولابَسْتَ أباك لأنه لا يعمل الفعل في المفعول وبينهما الواو، وهذا غير صحيح، لأن الفعل يعمل في المفعول على الوجه الذي يصح به الارتباط، فإن ارتبطا بلا واسطة فلا معنى لدخول حرف بينهما. وإن لم يرتبطا إلا بواسطة فلا بد منها، فلذلك تقول ضربت زيدا وعمرا فتنصب عمرا بضربت كما تنصب به زيدا، لكن استغنينا في تعليق زيد بالعامل عن واسطة واحتجنا إليها في تعليق عمرو فأتينا بها. ومثله في الحاجة إلى واسطة ما ضربت إلا زيدا، وضربت إمّا زيدا وإمّا عمرا، فينتصب ما بعد إلّا وإمّا بالفعل ولا يمنع من ذلك الواسطة، لأن المعنى لا يصح إلا بها.
ومما يبين فساد تقدير الزجاج أنه إمّا أن يُقصد تشريك صنعت ولابست في الاستفهام، وإمّا ألّا يقصده، فإن قصده لم يصح، لأن شرط صحة عطف الفعل على الفعل بعد اسم الاستفهام جواز الاستغناء بالثاني عن الأول، والأمر بخلاف ذلك في التقدير المذكور، إذ لا معنى لقول القائل ما لابست أباك، وإن لم يقصد التشريك