عنه اختصار، وقد أوثر استعماله في أحدهما فليجز في الآخر قياسًا، وإن خيف لبس أزيل بعد العدول عن العطف بما أزيل قبله، إذ لا فرق بين قولنا: رأيت ضاربا ضربا وضاربا ضربة، وبين قولنا: رأيت ضاربين ضربًا وضربة.
وقال بعضهم: اختصار التثنية كاختصار الخبر، فكما جاز: زيد ضارب وعمرو، فحذف خبر عمرو اكتفاء بخبر زيد لتوافقهما معنى، كذلك جاز أن تقول: جاء الضاربان في المتوافقين معنى، وكما لم يجز أن يقال: زيد ضارب وعمرو، فتحذف خبر عمرو إذا خالف خبر زيد معنى وإن وافق لفظا، كذلك لا يجوز أن يقال: زيد وعمرو ضاربان مع مخالفة المعنى.
والجواب من وجوه: أحدها: أن حذف الخبر المخالف معنى لم يجز لأنه حذف بلا عوض في اللفظ ولا دليل على معناه، وأحد مفردي المثنى معوض عنه بعلامة التثنية، ومقدور على الدلالة عليه بقرينة.
الثاني: أن ذكر عمرو في المثال المذكور يوقع في محذورين: أحدهما توهم المحذوف مماثلا للمذكور، والآخر توهم إلغاء ذكر عمرو، والمثنى لا يتوهم فيه إلغاء.
الثالث: أن التخالف في اللفظ لا بد معه من تخالف المعنى ولم يمنع من التثنية، فأن لا يمنع منها التخالف في المعنى مع عدم التخالف في اللفظ أحق وأولى. وممن صرح بجواز ذلك ابن الأنباري واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم "الأيدي ثلاث فيد الله تعالى العليا، ويد المعطي، ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة" ويؤيد ذلك قوله تعالى "نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق) ومما يؤيد ذلك قول أبي علي القالي: من كلام العرب: خِفَّة الظهر أحد اليسارين، والعُزْبة أحد السِّباءَيْن، واللبن أحد اللحمين، والحِمْيةُ إحدى الموتتين. وقولهم: القَلم أحد السِّنانين، والخال أحد الأبوين. ومن ذلك قول بعض الطائيين: