ولا يحكم بتصرف ما جر بمن وحدها كعند وقبل وبعد، لأن من كثرت زيادتها فلم يُعتدّ بدخولها على الظرف الذي لا يتصرف بخلاف غيرها كمذ وحتّى وفي وإلى وعن وعلى. فلما بيّنت أن بعض الظروف متصرف وبعضها غير متصرف قلت "وكلاهما منصرف وغير منصرف" أي المتصرّف على ضربين: منصرف وغير منصرف، وغير المتصرّف كذلك، فالأقسام إذن أربعة.
فالمتصرف المنصرف كثير، لأنه على الأصل، وذلك كساعة وشهر وعام ودهر وحين وحينئذ ويومئذ، يقال سير عليه حينئذ ويومئذ، حكاهما سيبويه. والذي لا يتصرف ولا ينصرف "سحر" إذا جُرّد من الإضافة والألف واللام وقصد به معيَّن من ليلة معيّنة كقولك لأستغفرنّ هذه الليلة سحر. وكذا إن قصدا لتعيين ولم يذكر الليلة. والذي يتصرف ولا ينصرف غُدْوة وبُكرة علمين قصد بهما التعيين أو لم يقصد، لأن علميتهما جنسية فيستعملان استعمال أسامة وذُؤالة، فكما يقال عند قصد التعميم أسامة شر السباع، وعند التعيين هذا أسامة فاحذره تقول قاصدا التعميم غُدوة وقت نشاط، وقاصدا التعيين لا أشرب الليلة إلى غُدوة. وبُكرة في ذلك كغُدوة. وقد يخلوان من العلمية فينصرفان ويتصرفان، ومنه قوله تعالى: (ولهم رزْقُهم بُكرةً وعَشيَّا).
والذي ينصرف ولا يتصرف ما عينَ من سحر وبكرة وضحى وضحوة وصباح ومُسْي وليل ونهار وعَتمة وعشاء وعشيّة. وربما منعت عشية في التعيين الصرف والتصرف فساوت سحر. ذكر ذلك كله سيبويه في الباب المترجم بهذا ما يكون فيه المصدر حينا. وقال بعد أن ذكر ليلا ونهارا: إذا أردت ليل ليلتك ونهار نهارك تريد بليل ليلتك ظلامها وبنهار نهارك ضوءه. وكذلك قال في تفسير تعيين البواقي: إذا أردت سحر ليلتك وضحى يومك وصباحه ومساءه وعشاءه وبكرة يومك وضحوته وعتمة ليلتك. وذكر ما لا يتصرف بُعَيدات بين أي أوقاتا غير متصلة.