في التقدير كقول النابغة:
وحَلّتْ بُيوتي في يَفاع ممنَّعٍ ... يُخالُ به راعي الحمولة طائرا
حِذارا على ألّا تنال مَقادتي ... ولا نِسْوتي حتّى يَمُتْنَ حرائرا
فإن فاعل حلّت في الظاهر غير فاعل حذارا وهو في التقدير واحد، لأن المعنى وأحْلَلتُ بيوتي حذارا.
وكذا قوله تعالى (يُريكم البرقَ خوفا وطمعا) لأن معنى يُريكم يجعلكم تَرون، ففاعل الرؤية فاعل الخوف والطمع في التقدير، فلا يلزم جعل خوفا وطمعا حالين كما زعم الزمخشري، ولا كون التقدير يريكم البرق إراءة خوف وطمع.
وقد يكون عامل المفعول محذوفا، ومنه حديث محمود بن لبيد الأشهلي "قالوا ما جاء بك يا عمرو؟ أحَرْبا على قومك أم رغبةً في الإسلام" أي جئت حربا أو رغبة. وأجاز ابن خروف حذف الجار مع عدم اتحاد الفاعل من كل وجه نحو جئتك حذر زيد الشرّ، وزعم أنه لم ينصّ على منعه أحد من المتقدمين، قال ومن حجة مَن أجازه شبهه في عدم اتخاذ الفاعل بقولهم ضربته ضربَ الأمير اللصّ، فكما نصب الفعل في هذا المصدر وفاعلهما غيران، إذ لا محذور في ذلك من لَبْس ولا غيره. وظاهر كلام سيبويه يشعر بالجواز، لأنه قال بعد أمثلة المفعول له: فهذا كله ينتصب لأنه مفعول له، كأنه قيل له: لمَ فعلتَ كذا؟ فقال: لكذا، ولكنه لمّا طرح اللام عمل فيه ما قبله كما عمل في "دَأبَ بكارٍ" ما قبله حين طرح "مثل". يشير إلى قول الراجز:
إذا رأتني سَقطت أبصارُها ... دأبَ بِكارٍ شايحتْ بكارُها