منطلقين، تريد ظناني منطلقا، وظننت الزيدين منطلقين. فإذا قلت كذا بإظهار ثاني مفعولي ظناني خلصت من أمرين ممتنعين، وذلك أنك إذا أضمرت فإما أن تراعي جانب المفسَّر فتثنى فتكون قد أخبرت بمثنى عن مفرد. وإما إن تراعي جانب المخبر عنه وهو ياء ظناني فتفرد فتكون قد أعدت ضميرا واحدا إلى مثنى، وكلاهما ممتنع فتعين الإظهار لتخلصه من ممتنع.
ووافق الكوفيون على جواز الإضمار، وأجازوا أيضا الإضمار مراعًى به جانب المخبر عنه كقولك: ظننت وظناني الزيدين قائمين إياه، لأن المثنى والجمع يتضمنان الواحد فعود الضمير إلى ما تضمنه جائز. وأجازوا أيضا الحذف كقولك ظننت وظناني الزيدين قائمين، تريد ظننت وظناني قائما الزيدين قائمين. فحذفت ثاني مفعولي ظناني لدلالة ثاني مفعولي ظننت عليه، كما جاز مثل ذلك في باب الابتداء. وأشرت بقولي "ويجوز حذف الضمير غير المرفوع" إلى جواز حذف الهاء ونحوها من نحو قولك ضربني وضربته زيد، ومرّ بي ومررت به زيد فيقال ضربني وضربت زيد، ومرّ بي ومررت زيد كم قال الشاعر:
يَرنو إليّ وأرْنو مَن أصادِقُه ... في النائباتِ فأرضيه ويُرْضيني
وأشرت بقولي "ما لم يمنع مانع" إلى مثل مال عني وملت إليه زيد، فإن حذف الضمير منه غير جائز لإيهامه أن يكون المراد مال عنّي ومِلت عنه زيد. ومثل ذلك قول الشاعر:
مال عنّي تيهًا وملْتُ إليه ... مُسْتعينا عمرو فكان مُعينا
وحذف الضمير غير المرفوع إن تقدم أحسن من بقائه، ما لم يكن عامله من باب ظن فيظهر مؤخرا، وكذا إن لم يكن من باب ظن وكان الحذف موقعا في لبس. ومثال ذلك والفعل من باب ظن حسبني وحسبت عمرا كريما إياه.