الكسائي وقول الفراء تعيّن الحكم بصحة القول المذكور وهو قول الخليل وسيبويه. وقد جعل سيبويه من المنصوب باللازم إضماره قول ذي الرمة:
ديارَ ميّةَ إذ ميٌّ تُساعِدنا ... ولا يُرى مثلها عُرْبٌ ولا عَجَم
قال سيبويه: كأنه قال: اذكر ديارَ ميّة، ولكنه لا يذكر "اذكر" لكثرة ذلك في كلامهم. وقال سيبويه: "ومن العرب من يرفع الديار كأنه يقول تلك ديار فلانة" وقال أيضا "ومن العرب من يقول "كلاهما وتَمْرا" كأنه قال كلاهما لي وزدْني تمرا، وكلُّ شيءٍ ولا شتيمةَ حُرّ" كأنه قال: كل شيء أمَمٌ ولا شتيمةَ حُرّ، وترك ذكر الفعل بعد لا". هذا نصه. وإلى هذا أشرت بقولي "وقد يجعل المنصوب مبتدأ وخبرا".
وقد تناول قولي "فإن كان الاقتصار في مثل أو شبهه في كثرة الاستعمال" نحو إيّاي وكذا بإضمار نَحِّ ونحو إيّاك وكذا بإضمار اتّق، وهذا المسمَّى تحذيرا، ولا يلزم إضمار الناصب فيه إلّا مع إيّاك وأخواتها، ومع مكرّر نحو الأسَدَ الأسَدَ، ومع معطوف ومعطوف عليه نحو: "مازِ رأسك والسيف" ولا يحذف العاطف بعد إياك إلا والمحذور مجرور بمن نحو إياك من الشرِّ، وتقديرها مع أنْ كافٍ نحو إياك أن تسيء، على تقدير إياك من أن تسيء، وحذفت "من" لأن مثل هذا في أن مطرد فلو وقعت الإساءة موقع أن تسيء لم يجز حذف من إلا في الضرورة كقول الشاعر:
وإياك إياكَ المِراءَ فإنَّه ... إلى الشَّرِّ دَعّاءٌ وللشَّرِّ آمِرُ
أراد إيّاك أنْ تُمارِي، ثم أوقع موقع أن تمارى المراء فعامله معاملة ما هو واقع