والأصل: على صراطك المستقيم، وعن أمر ربكم، ولأظفر بطائر، ولقضى عليّ، وإلى قضاني ونحوه أشرت بقولي "وقد يجرى مجرى المتعدي شذوذا" وإذا استعمل الفعل متعديا بنفسه تارة وبحرف جر تارة، ولم يكن أحد الاستعمالين مشهورا قيل فيه متعد بوجهين. ولم يحكم بتقدير الحرف عند سقوطه ولا بزيادة عند ثبوته نحو شكرته وشكرت له ونصحته ونصحت له. ويسمى أيضا المتعدي بنفسه مجاوزا وواقعا. وما لا بد له من حرف الجر فهو لازم. ولا يتميز المتعدي من اللازم بالمعنى والتعلق، فإن الفعلين قد يتحدان معنى وأحدهما متعد والآخر لازم كصدقته وآمنت به ونسيته وذهلت عنه وحببته ورغبت فيه واستطعته وقدرت عليه ورجوته وطمعت فيه وتجنبته وأعرضت عنه.

وإنما تميّزُ المتعدي بأن يتصل به كاف الضمير أو هاؤه أو ياؤه باطراد، وبأن يصاغ منه اسم مفعول تام باطراد نحو صدقته وحببته وأردته ورجوته فهو مصدّق ومحبوب ومراد ومرجوّ. وبهذا عُلم أن قال متعدّ لاطراد نحو قلته فهو مَقول. ولو قُصد هذان الأمران من ذهلت ورغبت وطمعت وأعرضت لم يُستغن عن الحرف كقولك ذهلت عنه ورغبت فيه وطمعت فيه وأعرضت عنه، فهو مذهول عنه ومرغوب فيه ومطموع فيه ومعرَض عنه، فلا يتأتى صوغ المفعول تاما بل ناقصا، أي مفتقرا إلى حرف الجر، فتعلم بذلك لزومه وعدم تعدّيه كما علمت بالتمام التعدي. وبهذا يُعلم صحة تقدير حرف الجر في قوله: "لأظفر طائرا"، لأنك لا تقول ظفرته فهو مظفور. وكذلك لا يقال في الصراط إلا قعدت عليه، لأن الضمائر ترد الأشياء إلى أصولها، وإذا ثبت أن اللازم هو المفتقر إلى حرف جر فليعلم أن الأصل ألّا يحذف حرف الجر.

فإن ورد حذفه وكثر قُبل وقِيس عليه، وإن لم يكثر قُبل ولم يُقس عليه، فمن الذي كثر قولهم: دخلت الدار والمسجد ونحو ذلك، فيقاس على هذا دخلتَ البلد والبيت وغير ذلك من الأمكنة. ومن المقتصر فيه على السماع توجّه مكةَ وذهب الشامَ، ومُطرنا السهلَ والجبلَ، وضُرِب فلانٌ الظهرَ والبَطْنَ فلا يقاس على هذه الأسماء وما أشبهها غيرها. وإلى دخلت البلد ونحوه أشرت بقولي "أو لكثرة الاستعمال". وأشرت بقولي "أو لتضمن معنى يوجب ذلك" إلى قول بعضهم: رَحُبكمُ الدخول، فإنه ضمّنه معنى وَسع فأجراه مجراه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015