فتقديم المرفوع أيضا في مثل هذا واجب. وعبرت بالمرفوع ليدخل الفاعل واسم كان والنائب عن الفاعل.
وإذا كان مرفوع الفعل محصورا وجب تأخيره وتقديم المنصوب عند البصريين والكوفيين إلا الكسائي. ويستوي في ذلك المضمر والظاهر، فالمضمر كقوله تعالى: (لا يُجَلِّيها لوقتها إلا هو) والظاهر نحو لا يصرف السوءَ إلا اللهُ. فلو قلت لا يصرف إلا اللهُ السوءَ امتنع عند غير الكسائي فلو كان الحصر في غير المرفوع لزم أيضا تأخير المحصور إلا عند الكسائي وأبي بكر بن الأنباري نحو لا يرحم اللهُ إلا الرحماءَ، فلو قلت لا يرحم الرحماء إلا اللهُ لم يجز إلا عندهما.
وحجة من منع تقديم المحصور مطلقا حمل الحصر بإلا على الحصر بإنما، وذلك أن الاسمين بعد إنما لا يعرف متعلق الحصر منهما إلا بتأخره كقولك قاصدا لحصر المفعولية في زيد إنما يضرب عمرو زيدا، فالمراد كون الضرب الصادر من عمرو مخصوصا به زيد، ولا يُعلَم هذا إلا بتأخير زيد فامتنع تقديمه، وجعل المقرون بإلا متأخرا وإن كان لا يخفى كونه محصورا لو لم يتأخر ليجرى الحصر على سنن واحد. ولم يلزم الكسائي ذلك، لأن الاقتران بإلا يدل على المعنى، والتوسع عند وضوح المعنى أولى من التضييق بمنع أحد الاستعمالين. واعتبر ابن الأنباري تأخر المقرون بإلا لفظا أو تقديرا فأجاز تقديمه إذا لم يكن مرفوعا، لأنه وإن تقدم لفظا فهو مؤخر معنى، ولم يُجِز تقديمه إذا كان مرفوعا، لأنه إذا تقدم لفظا تقدم معنى فيلزم من تقديمه فوات تأخر المحصور لفظا أو تقديرا وذلك غير جائز. ويؤيد ما ذهب إليه أبو بكر قول الشاعر:
تَزَوّدتُ من ليلى بتَكليم ساعةٍ ... فما زاد إلَّا ضِعْفَ ما بي كلامُها
ومثله في مفعول ما لم يُسمّ فاعله قول زهير: