لكم تفسَّحوا في المجالس فافسحوا)، وكقول الشاعر:
وإنْ مُدَّت الأيدي إلى الزّاد لم أكن ... بأعْجلهم إذْ أجْشَعُ القوم أعْجَلُ
ومنها تعظيم الفاعل بصون اسمه عن مقارنة اسم المفعول كقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بُلي منكم بهذه القاذورة فليستتر" ومنها تعظيم المفعول بصون اسمه عن مقارنة اسم الفاعل كقولك أُوذِي فلانٌ، إذا عظّمته واحتقرت من آذاه. ومنها الستر على الفاعل خوفا منه أو خوفا عليه. وأشرت بقولي "جاريا مجراه في كل ماله" إلى أن النائب عن الفاعل يخلفه في الرفع ووجوب التأخر عن الرافع والتنزل منزلة الجزء منه وعدم الاستغناء عنه.
ثم نبّهت على أن النائب عن الفاعل إما مفعول به نحو ضُرِبَ زيد، وإما جارٌ ومجرور نحو غُضِب عليه، ولم يلزم من نيابة الجار والمجرور مخالفة، لأن الفاعل قد يكون مجرورا نحو: (كفى بالله شهيدا) وقيّدت المصدر الذي ينوب بكونه لغير مجرد التوكيد تنبيها على أن المصدر المسوق لمجرد التوكيد لا يقام مقام الفاعل، فلا يقال في مثل: ضلّ زيدٌ ضلالا: ضُلَّ ضلال، لعدم الفائدة بخلاف قام في الدار زيد قياما طويلا أو قومةً أو قومتين، فإن المصدر فيه مسوق لغير مجرد التوكيد فلا يخلو الإسناد إليه من فائدة. ونبّهت بقولي: "ملفوظ به أو مدلول عليه بغير العامل" على أن المنويّ مدلولا عليه بالعامل لا ينوب. وقد أجاز ذلك قوم من المتأخرين. ولا سبيل إليه، لأن الفعل لا يدل على المصدر المختص ولا المحدود، وإنما يدل على الذي لمجرد التوكيد، والذي لمجرد التوكيد لا فائدة في الإسناد إليه وهو ملفوظ به، فكيف إذا نُوي ولم يلفظ به.