هذا الذي ذهب إليه من جواز الإلغاء في هذا الباب إذا بنيت أفعاله للمفعول بصحيح، لأن العلة في أن لم تلغ هذه الأفعال إذا بنيت للفاعل من كونها أفعالا مؤثرة، بخلاف ظننت وبابه، موجودة فيها إذا بنيت للمفعول كوجودها إذا بنيت للفاعل، فكيف توجد العلة ثم لا يوجد حكمها؟ ولكن غرّه ذكر سيبويه أرى وهو مضارع أرأيت بمعنى أظننت، فتخيل أن باقي أفعال الباب كأرى، قال: وإنما جاز إلغاء أرى وحدها لأنها بمعنى أظن. وأظن غير مؤثر، فجرت مجراها في الإلغاء، كما جرت مجراها في المعنى.
وحاصل قوله أمران: أحدهما: أن أعلم مؤثر، فلا يلغى، كما لا تلغى الأفعال المؤثرة. والثاني: أن أرى ألغى لأنه بمعنى أظن، فوافقه في الإلغاء كما وافقه في المعنى.
والجواب عن الأول أن يقال: من أجاز إلغاء أعلم لم يجزه بالنسبة إلى المعلِم، فيكون في إلغائها محذور، وإنما إجازه بالنسبة إلى المسند والمسند إليه، وهما غير متأثرين بأعلمن كما هما غير متأثرين بعلم، فلا يمتنع إلغاء أعلم عنهما، كما لم يمتنع إلغاء علم.
والجواب عن الثاني أن يقال: إلحاق أرى بأظن لأنه بمعناه ليس بأولى من إلحاق أعلمت بعلمت، بل الأمر بالعكس، لأن مفهوم علمت مستفاد من أعلمت كاستفادة مفهوم أظن من أرى، فالمناسبتان مستويتان، وبين أعلمت وعلمت مناسبتان أخريان وهما: رجوعهما إلى مادة واحدة، واستواؤهما في التصرف، بخلاف أرى وأظن فإنهما مختلفتان في المادة والتصرف. أما التخالف في المادة فظاهر، وأما في التصرف فلأن أرى لم يستعمل له ماض. فقد بان أن مناسبة أرى لأظن أضعف من مناسبة أعلمت لعلمت، وأرى قد جرت مجرى أظن، فإذا جرت أعلمت مجرى عملت كان ذلك أحق وأولى.
فقد ظهر أن المحقق من أجاز الإلغاء والتعليق في هذا الباب لا من منعه، والله أعلم.
فالصحيح أن أعلم وأخواتها مما يبنى للمفعول مساوية لظن وأخواتها، إلا في الاقتصار على المرفوع فإنه غير جائز في ظن وأخواتها لعدم الفائدة، وجائز في أعلم وأخواتها لحصول الفائدة.