ش: لما كان شبه لا بإنّ أضعف من شبه ما بليس، جعل لما مزية بأن لم يبطل عملها بالفصل مطلقا، بل إذا كان الفصل نحو: ما قائم زيد، أو لمعمول خبرٍ غير ظرف ولا جار ومجرور نحو: ما طعامك زيد آكل. فلو فصل بمعمول وهو ظرف أو جار ومجرور لم يبطل العمل، نحو: ما غدا زيد مسافرا، وما فيها أحد مقيما. وأبطل عمل لا بالفصل مطلقا نحو: لا في الدار رجل مقيم، ولا غدا أحد راحل، فانحطت بذلك "لا" عن رتبة "ما" ليكون لقوة الشبه أثر.
وإذا كان مصحوب لا معرفة لم تعمل فيه، لأنها إنما عملت العمل المذكور ليدل به على العموم على سبيل التنصيص، والمعرفة ليست كذلك، ولو كان تعريفها بالألف واللام الاستغراقية لأنها بلفظ العهدية، فليس التنصيص بها على العموم كالتنصيص عليه بمن الجنسية مذكورة أو منوية. لكن إذا وليتها المعرفة لزمها التكرار، ليكون عوضا مما فاتها من مصاحبة ذوي العموم، فإن في التكرار زيادة كما في العموم زيادة، ثم حمل في لزوم التكرار المفصولة على التي تليها معرفة، لتساويهما في وجوب الإهمال، وأيضا فإن العرب في الغالب تنفي الجملة المبتدوأة بمعرفة أو ظرف أو شبهه بما أو ليس، نحو: ما زيد عندك، وما عندك زيد، وليس عمرو في الدار، فإذا وقعت لا في نحو هذا من الكلام وقعت في موضع غيرها، فقويت بالتكرار، ولم تخل منه إلا في اضطرار. وكذا إذا ولي "لا" خبر مفرد يلزم التكرار أيضا نحو: زيد لا قائم ولا قاعد، وكذا إذا ولي "لا" نعت أو حال، نحو: مررت برجل لا قائمٍ ولا قاعدٍ، ونظرت إليه لا قائما ولا قاعدا. وإلى هذين المثالين وأشباههما أشرت بقولي: "وكذا التاليها خبر مفرد أو شبهه" فتكرار لا في هذه المواضع لازم إلا في الضرورة، كقول الشاعر:
بَكَتْ جَزَعا واسترجعت ثم آذنت ... ركائبها أن لا إلينا رجوعها