من عطف المفردات لكان وقوعه قبل التمام أولى، لأن وصل المعطوف بالمعطوف عليه أجود من فصله. ولو كان من عطف المفردات لجاز رفع غيره من التوابع، ولم يحتج سيبويه في قوله تعالى: (قل إن ربي يقذف بالحق علامُ الغيوب). إلى أن يجعله خبر مبتدأ أو بدلا من فاعل يقذف.
وأيضا فإن وأخواتها مشبهة بالأفعال لفظا ومعنى واختصاصًا فلا عمل للابتداء بعد دخولها، كما لا عمل له بعد دخول الأفعال الناسخة. ولقوة شبهها بالأفعال لم يبطل عملها بالفصل في نحو: إن فيك زيدا راغب، ولا بتقديم المسند في نحو: إن عندك زيدا، ولا بالحذف مع دليل كقراءة حمزة والكسائي: (وفي خلقكم وما يَبُثّ من دابة آيات). بخلاف "ما" المشبهة بليس، و"لا" المشبهة بإنّ، فإنها ضعيفة الشبه وضعيفة العمل، ولذا لا تعمل في الخبر عند سيبويه، ويُبْطِل عملَها الفصلُ بإجماع، فلضعفها لم تنسخ عمل الابتداء لفظا ومحلا، بل هو باق تقديرا بعد دخولها، ولهذا ينعت اسمها باعتبار المحل رفعا، ولم يفعل ذلك باسم إنّ.
والحاصل أن عمل الابتداء بعد إنّ منسوخ لفظا ومحلا كانتساخه بكان وظن، إلا أنّ وإنّ ولكنّ لم يتغير بدخولهما معنى الجملة، ويتغير بدخول كأن وليت ولعل، فجاز أن يعطف بعد مصحوبي إن ولكن مبتدأ مصرح بخبره، ومحذوف خبره، كما يجوز ذلك بعد المبتدأ والخبر لبقاء المعنى على ما كان عليه. ولكون الخبر الموجود صالحا للدلالة على المحذوف، إذ لا تخالف بينهما، بخلاف خبر كأن وليت ولعل فإنه مخالف لخبر المبتدأ المجرد، فلا يغني أحدهما عن الآخر.
فلو كان خبر المعطوف مخالفا لزم ثبوته نحو: (وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين). ومثله: (إن وعْدَ الله حق والساعة لا ريب فيها).