وباعتبار هذا يلزم حصول الكثرة، وكذا ما قال سيبويه يحمل على أنه ملحوظ به ما يعرض لإنّ من فتح همزتها، ومن تخفيف نونها في الحالين، ومن تخفيف نون كأنّ، وما يستعمل في لعل من لغات.
فإن قيل: إذا كان تفريع أنّ سببا لعدم الاعتداد بها، فينبغي ألا يعتبر بكأنّ، فإن أصل: كأنّ زيدا أسد، إنّ زيدا كالأسد.
فالجواب: أن أصل كأن منسوخ لاستغناء الكاف عن متعلق به، بخلاف أن فليس أصلها منسوخا، بدلالة جواز العطف بعدها على معنى الابتداء، كما يعطف عليه بعد المكسورة، فاعتبرت فرعية أن لذلك دون كأن.
وقد قرنْتُ كل واحد من هذه الأحرف بمعناه، فمعنى إنّ التوكيد، ولذلك أجيب بها القسم نحو: والله إنك لفطن.
ومعنى لكن الاستدراك. ولذلك لا يكون إلا بعد كلام، نحو: (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم).
وكأن للتشبيه المؤكد نحو: كأن زيدا أسد، فإن أصله: إن زيدا كالأسد، فقدمت الكاف، وفتحت الهمزة، وصار الحرفان حرفا واحدا مدلولا به على التشبيه والتوكيد. وزعم بعضهم أن كأن قد تكون للتحقيق دون تشبيه، واستشهد على ذلك بقول الشاعر:
وأصبحَ بطنُ مكة مُقْشَعِرًّا ... كأنّ الأرض ليس بها هشامُ
واستشهد أيضا بقول الآخر:
كأني حين أمسي لا تُكَلمني ... ذو بُغية يبتغي ما ليس موجودًا