ما قمت أثقل وأضعف، فصح لذلك. وكذا قول الآخر:
وَقَفْتُ على رَبْع لميةَ ناقتي ... فما زلت أبكي عنده وأخاطبه
وأسقيه حتى كاد مما أبُثُّه ... يكلمني أحجاره وملاعبُه
فجاز هذا لأن معناه: كاد يكلمني. وإلى هذا ونحوه أشرت بقولي: "وكون الفاعل غيره قليل".
وزعم قوم أن كاد ويكاد إذا دخل عليهما نفي فالخبر مثبت، وإذا لم يدخل عليهما نفي فالخبر منفي، والصحيح أن إثباتهما إثبات للمقاربة، ونفيهما نفي للمقاربة، فإذا قيل: كاد فلان يموت، فمقاربة الموت ثابتة، والموت لم يقع. وإذا قيل: لم يكد يموت، فمقاربة الموت منفية، ويلزم من نفي مقاربة الموت نفي وقوعه بزيادة مبالغة، كأن قائلا قال: كاد فلان يموت، فرد عليه بأن قيل: لم يكد يموت.
وقولك: لم يكد يموت أبلغ في إثبات الحياة من قولك: لم يمت، ولهذا قيل في قوله تعالى: (إذا أخرج يده لم يكد يراها) إن معناه: لم يرها ولم يقارب أن يراها. وفي قوله تعالى: (يتجرعه ولا يكاد يسيغه) إن معناه: لا يسيغه ولا يقارب إساغته.
وقد يقول القائل: لم يكد زيد يفعل، ويكون مراده أنه فعل بعسر لا بسهولة، وهو خلاف الظاهر الذي وضع له اللفظ أولا. ولإمكان هذا، رجع ذو الرمة في قوله: