ظاعنا وأمسى مقيما، لأنه على ذلك التقدير بمنزلة قوله: زيد قبل وقتنا ظاعن مقيم، وإنما يزول التناقض بمراعاة دلالة الفعلية على الإصباح والإمساء، وذلك هو المطلوب.
الخامس: أن من جملة العوامل المذكورة انفك، ولا بد معها من ناف، فلو كانت لا تدل على الحدث الذي هو الانفكاك، بل على زمن الخبر، لزم أن يكون معنى: ما انفك زيد غنيا: ما زيد غنيا في وقت من الأوقات الماضية، وذلك نقيض المراد، فوجب بطلان ما أفضى إليه.
السادس: أن من جملة العوامل المذكورة دام، ومن شرط إعمالها عمل كان كونها صلة لما المصدرية، ومن لوازم ذلك صحة تقدير المصدر في موضعها، كقولك: جُدْ ما دمت واجدا، أي: جد مدة دوامك واجدا، فلو كانت دام مجردة عن الحدث لم يقم مقامها اسم الحدث.
السابع: أن هذه الأفعال لو لم يكن لها مصادر لم تدخل عليها أنْ، كقوله تعالى: (إلا أنْ تكونا ملكين) لأنّ أنْ هذه وما وصلت به في تأويل المصدر، وقد جاء مصدرها صريحا في قول الشاعر:
ببذلٍ وحِلْم سادَ في قومه الفتى ... وكونُك إياه عليك يسيرُ
وقد حكى أبو زيد في كتاب الهمزة مصدر فتئ مستعملا، وحكى غيره: ظللت أفعل كذا ظَلولا. وجاءوا بمصدر كاد في قولهم: لا أفعل ذلك ولا كيدا، أي ولا أكاد كيدا، وكاد فعل ناقص من باب كان، إلا أنها أضعف من كان، إذ لا يستعمل لها اسم فاعل، واسم فاعل كان مستعمل، ولا يستعمل منها أمر، والأمر من كان مستعمل، وإذا لم يمتنع استعمال مصدر كاد، وهي أضعف من كان، فأن لا يمتنع استعمال مصدر كان أحق وأولى.