لأن (ما) للتوكيد، فيتأكد بها معنى ما تتصل به، ما لم تقلبه من معنى إلى معنى كما فعلت بإذ حين قيل فيها (إذما) ففارقتها في الدلالة على المضي وحدث فيها معنى المجازاة، وما المتصلة برب غير قالبة معناها بل مؤكدة له، فاستصحب ما كان لها من المضي.
وإذا دخلت (قد) على المضارع فهي كربما في التقليل والصرف إلى معنى المضي، وهذا ظاهر قول سيبويه، لأنه قال في باب عدة ما يكون عليه الكلم (وأما قد فجواب لقوله: لمّا يفعل، فتقول: قد فعل) ثم قال: (وتكون بمنزلة ربما قال الهذلي:
قد أتركُ القِرْنَ مُصفّرًا أناملهُ ... كأنَّ أثوابَهُ مُجَّتْ بِفرْصاد
كأنه قال: "ربما".
هذا نصه، فإطلاقه القول بأنها بمنزلة ربما تصريح بالتسوية بينهما في التقليل والصرف إلى المضي، فإن خلت من معنى التقليل خلت من الصرف إلى معنى المضي وتكون حينئذ للتحقيق والتوكيد كقوله تعالى (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون) وكقول الشاعر:
وقد تدرك الإنسانَ رحمةُ ربه ... ولو كان تحت الأرض سبعين واديا
وقد تخلو من التقليل وهي صارفة لمعنى المضي كقوله تعالى (قد نرى تقلُّب وجهك في السماء).
ص: وينصرف الماضي إلى الحال بالإنشاء، وإلى الاستقبال بالطلب،