ومن القرائن المحسنة لحذف المبتدأ وجود فاء الجزاء داخلة على ما لا يصلح أن يكون مبتدأ، كقوله تعالى: (مَنْ عَمِل صالحا فلنفسه ومَنْ أساء فعليها) أي: فصلاحه لنفسه، وإساءته عليها. فحذف المبتدأ لهذه القرائن وأشباهها جائز.

وأما الحذف الواجب فكحذف المبتدأ المخبر عنه بنعت مقطوع لتعين المنعوت بدونه لكونه لمجرد مدح، كقولهم: الحمدُ للهِ الحميدُ، وصلى الله على محمدٍ سيدُ المرسلين. أو لمجرد ذم، كقولك: أعوذُ بالله من إبليس عَدُوُّ المؤمنين. أو لمجرد الترحم كقولك: مررت بغلامِك المسكينُ، فهذه ونحوها من النعوت المقطوعة للاستغناء عنها بحصول التعيين بدونها، لك فيها النصب بفعل ملتزم إضماره، والرفع بمقتضى الخبرية لمبتدأ لا يجوز إظهاره، وذلك أنهم قصدوا إنشاء المدح، فجعلوا إضمار الناصب أمارة على ذلك، كما فعلوا في النداء، إذ لو أظهر الناصب لخفي معنى الإنشاء وتوهم كونه خبرا مستأنف المعنى، فلما التزم الإضمار في النصب التزم أيضا في الرفع ليجرى الوجهان على سنن واحد.

ومن التزام حذف المبتدأ أن يحذف لكون خبره مصدرا جيء به بدلا من اللفظ بفعله، كقول الشاعر:

فقالتْ: حنانٌ ما أتى بك ههنا ... أذُو نَسَبٍ أم أنت بالحيِّ عارِف

ومنه قولهم: سمع وطاعة، أي: أمري حنان، وأمري سمع وطاعة. والأصل في هذا النوع النصب، لأنه مصدر جيء به بدلا من اللفظ بفعله، فالتزم إضمار ناصبه لئلا يجتمع بدل ومبدل منه في غير إتباع، ثم حمل المرفوع على المنصوب في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015