لفظا كما تنزل منزلة الجزء معنى، إلا أن امتزاج حرف التعريف بالاسم أشد من امتزاج سوف بالفعل لوجهين:

أحدهما: أن معنى حرف التعريف لا يختص به بعض مدلول الاسم بخلاف معنى سوف فإنه مختص بأحد جزأي مدلول الفعل.

والثاني: أن حرف التعريف يجعل الاسم المقرون به، شبيها بمفرد قصد به التعيين وضعا كالمضمر واسم الإشارة والعلم المرتجل، فلا يقدح في الامتزاج المعنوي كون المتمازجين بحرفين أو أكثر. وسوف وإن مازج معناها معنى مصحوبها لكن لا تجعله شبيها بمفرد قصد به وضعا ما قصد بها وبمصحوبها، لأن ذلك غير موجود.

وقد ترتب على هذا امتناع الفصل بين حرف التعريف والمعرف به، ووقوعُه بين سوف والفعل المصاحب لها كقول الشاعر:

وما أدري وسوف إخالُ أدري ... أقومٌ آل حِصْنٍ أم نساءُ

وفعل ذلك أيضا بقد كقول الشاعر:

لقد أرسلُوني في الكواعبِ راعيا ... فقد وأبي راعي الكواعب أفْرِسُ

أراد: فقد أفرس راعي الكواعب وحق أبي، فسكن الياء وفصل.

واحتج قوم على الخليل بأن قالوا: لما كان التنكير مدلولا عليه بحرف واحد وهو التنوين، كان التعريف مدلولا عليه بحرف واحد كذلك وهو اللام، لأن الشيء يحمل على ضده كما يحمل على نظيره.

وهذا ضعيف جدا لأن الضدين قد يتفقان في العبارة مطلقا كصَعُب صُعُوبة فهو صَعْب، وسَهُل سُهُولة فهو سَهْل.

وقد يختلفان مطلقا كشَبع شِبَعا فهو شَبْعان، وجاع جُوعا فهو جائِع.

وقد يتفقان من وجه ويختلفان من وجه كرَضِيَ رِضًا فهو رَاض، وسخط سُخْطا فهو ساخِط، والاختلاف أولى بهما ليكون سبيلهما في المعنى واللفظ واحد.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015