وإنما المختار في هذه الثلاثة وأمثالِها الانفصال، ولكنه تُرِك واستعمل الاتصال، لأن الوزن لم يتأت إلا به.

وإذا كان الضمير كهاء "خِلتكه" في كونه ثاني مفعولي أحد أفعال القلوب، فالانفصال به أولى، لأنه خبر مبتدأ في الأصل، وقد حجزه عن الفعل منصوب آخر، بخلاف هاء كنته فإنه خبر مبتدأ في الأصل، ولكنه شبيه بهاء ضربته في أنه لم يحجزه إلا ضمير مرفوع، والمرفوع كجزء من الفعل، فكأن الفعل مباشر له، فكان مقتضى هذا ألا ينفصل كما لا ينفصل هاء ضربته، إلا أنه أجيز الانفصال به مرجوحا لا راجحا خلافا لسيبويه ومن تبعه. ودليلنا على ذلك من وجهين:

أحدهما: أن المشار إليه ضمير منصوب بفعل لا حاجز له إلا ما هو كجزء منه، فأشبه مفعولا لم يحجزه من الفعل إلا الفاعل، فوجب له من الاتصال ما وجب للمفعول الأول، فإن لم يساوه في وجوب الاتصال فلا أقل من كون اتصاله راجحا.

الوجه الثاني: أن الوجهين مسموعان فاشتركا في الجواز، إلا أن الاتصال ثابت في النظم والنثر، والانفصال لم يثبت في غير استثناء إلا في النظم، فرجح الاتصال لأنه أكثر في الاستعمال، ومن الوارد من ذلك في النظم دون ضرورة قول الشاعر:

كم ليث اغترَّ بي ذا أشْبُلٍ غَرَثَت ... فكأنني أعْظمُ الليثين إقداما

فقال فكأنني مع تمكنه أن يقول: فكنته أعظم الليثين إقداما، جعل أعظم بدلا من الضمير، كما قالوا: اللهم صل عليه الرءوفِ الرحيم. ومن الوارد منه في النثر قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها "إياكِ أن تكونيها يا حميراء" وقوله صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه في ابن صياد "إن يكُنْه فلن تُسَلّط عليهن وإن لا يكنه فلا خير لك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015