وأما: ياأنت، فشاذ، لأن الموضع موضع نصب، وأنت ضمير رفع، فحقه ألا يجوز، كما لا يجوز في: إياك والأسد: أنت والأسد. لكن العرب قد تجعل بعض الضمائر نائبا عن غيره، كقولهم: رأيتك أنت، بمعنى: رأيتك إياك، فناب ضمير الرفع عن ضمير النصب. وعكسه قراءة الحسن البصري رضي الله عنه: (إياك نعبدُ) بنيابة ضمير النصب عن ضمير الرفع، فكذلك قالوا: ياأنت، والأصل: ياإياك، لما ذكرت لك. ولأن الموضع موضع اطرد في الواقع فيه إذا كان مفردا معرفة كونه على صورة مرفوع، فحسن أن يخلفه ضمير الرفع، كما حسن أن يكون تابعه مرفوعا.
وكان حق المنادى أن يمنع حذفه، لأن عامله قد حذف لزوما، فأشبه الأشياء التي حذف عاملها وصارت هي بدلا من اللفظ به، كإياك في التحذير، وكسقيا له، في الدعاء. إلا أن العرب أجازت حذف المنادى والتزمت في حذفه بقاء "يا" دليلا عليه، وكون ما بعده أمرا أو دعاء، لأن الآمر والداعي محتاجان إلى توكيد اسم المأمور والمدعو بتقدميه على الأمر والدعاء، فاستعمل النداء قبلهما كثيرا، حتى صار الموضع منبها على المنادى إذا حذف وبقيت "يا" فحسن حذفه لذلك.
فمن ثبوته قبل الأمر قوله تعالى: (يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) و: (يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي) و: (يا بني آدم خذوا زينتكم) و: (يا بُنَيّ اركب معنا) و: (يا يحيى خذ الكتاب) ومن ثبوته قبل الدعاء: (يا