ومن الأحاديث العظيمة الواردة في فضل الصلاة: حديث جاء عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وحديث جاء عن أبي هريرة، وفيه: (أن رجلين كانا من بلي -حي من قضاعة- أسلما مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأخر الآخر سنة) هذا حديث أبي هريرة، وأما حديث سعد بن أبي وقاص: (كان رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة)؛ فيه قصتان: الأولى: هما أخوان اثنان، واحد مات، والثاني مات بعده بأربعين ليلة، والقصة الثانية: أرادا الإسلام فأسلما مع النبي صلى الله عليه وسلم، وأحدهما استشهد والآخر مات بعده بسنة، ولاحظ هذا اللفظ الثاني الذي في حديث أبي هريرة أن الأول استشهد، قتل شهيداً في سبيل الله عز وجل، والثاني مات بعده بسنة ولم يستشهد.
فأحد الصحابة رأى رؤيا، قال طلحة بن عبيد الله: (فأريت الجنة) رأى الجنة، فرأيت المؤخر منهما أدخل الجنة قبل الشهيد، والشهيد قتل الأول، والآخر هذا مات بعده بسنة ولم يقتل، وطلحة بن عبيد الله هذا أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه، صحابي فاضل شلت يده في دفاعه عن النبي صلى الله عليه وسلم في يوم أحد، وقاتل قتالاً عظيماً رضي الله عنه، وكان صوته في الجيش أقوى من صوت ألف رجل رضي الله عنه، هذا الرجل العظيم الفاضل رأى رؤيا في المنام، أن الاثنين أدخلا الجنة، فالذي مات دخل الأول، ودخل بعده الذي استشهد.
قال: (فلما بينهما أبعد من السماء والأرض) يعني: نظر إلى منزلة المتوفى فوجده في السماء، ومنزلة الشهيد في الأرض، وكأن البعد بين الاثنين كما بين السماء والأرض والاثنان في الجنة، فتعجب لذلك، حيث أن الشهيد أقل مرتبة من الذي مات، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أليس قد صام بعده رمضان؟) انظر إلى فضل شهر رمضان، فإن هذا أخذ أجر الشهادة وفوقها صيامه شهر رمضان وأنه أخر بعد هذا، قال: (وصلى ستة آلاف ركعة) يعني: صلاة سنة، ولو حسبتها لوجدتها ستة آلاف ركعة، فالسنة (354) يوماً أو (355) يوماً وهذه هي السنة الهجرية، ستضربها في (17) ركعة فريضة اليوم، ستبلغ حوالي: (6018) ركعة، أو (6118) ركعة، ستة آلاف ركعة صلاها هذا الإنسان، فرفعته هذه المرتبة العظيمة عند الله رب العالمين، ستة آلاف ركعة، هذه الفريضة فقط.
قال: (وكذا ركعة صلاة سنة) بمعنى: أنه لم يصل فقط الفريضة التي بلغت ستة آلاف ركعة، ولكنه كان يصلي رواتب في اليوم عشر ركعات، أو أكثر أو أقل من ذلك، فانظر في السنة كم تبلغ هذه الصلوات؟ وانظر كيف ترفع الصلوات صاحبها، مع أن الشهيد له مرتبة عالية جداً عند الله عز وجل، وهذا الذي أخر بعده كان أعلى منه، ولذلك الإنسان لا يستعجل الموت أبداً، فلا يقول: يا رب! خذني فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث: (خيركم من طال عمره وحسن عمله)، فكلما زيد في عمره عن الآخر زاد عنه بصلاة وصوم وعمل صالح، وكان أرفع له في الدرجة عند الله سبحانه وتعالى.
في حديث آخر للسيدة عائشة رضي الله عنها، تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث أحلف عليهن)، يحلف النبي صلى الله عليه وسلم على ثلاث، وهو الصادق المصدوق صلوات الله وسلامه عليه، ولكن المعنى الذي يؤكد ذلك أنه يقول: ليكن في يقينكم، لتكونوا مؤمنين بهذا الذي أقوله، فإنه يقين يقين: (لا يجعل الله من له سهم في الإسلام كمن لا سهم له)، أي: أن الذي دخل في الإسلام وبعدها صار له سهم في الإسلام ليس كالذي دخل ولا سهم له؛ لأن ذلك لا يكون أبداً، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (وأسهم الإسلام ثلاثة: الصلاة والصوم والزكاة)، فالذي له صلاة، وله صوم، وله زكاة لن يكون مثل الذي ليس له، وقال هنا صلى الله عليه وسلم: (ولا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة).
إذاً: أولاً: أن العبد الذي يصلي ويصوم ويزكي مستحيل في عدل الله عز وجل أن يجعل مثله من لا يفعل ذلك، والذي له سهم في الإسلام ليس كمن لا سهم له، وهذا فرق كبير بين الاثنين.
ثانياً: قال صلى الله عليه وسلم: (لا يتولى الله عبداً في الدنيا فيوليه غيره يوم القيامة) ويقسم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، يعني: إذا كان ربك معك وأنت في الدنيا، يحفظك ويعينك على الصلاة، ويعينك على الصوم، ويعينك على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويتولاك في الدنيا، وتقول له: يا رب! فيعطيك، فإذا أعطاك في الدنيا فلن يتخلى عنك يوم القيامة، كما أنه كان معك في الدنيا فأنت تعبده فيتولاك فلن يتركك يوم القيامة، ويحلف على ذلك صلى الله عليه وسلم، والثالثة قال صلى الله عليه وسلم: (ولا يحب رجل قوماً إلا جعله الله معهم).
فكل إنسان له مقدرة على العمل بصورة معينة، فمنهم من يقدر أن يصلي، والآخر يقدر أن يصوم النوافل، ومنهم من يقدر على قيام الليل كثيراً، والآخر لا يقدر، ولكن كل إنسان قد هيأه الله عز وجل لما يصلح له، وجعل الناس كلهم شيئاً واحداً مستحيل جداً، والإنسان يتمنى أنه يكون مثل الصالحين، لما يسمع عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة الأفاضل، والتابعين والأئمة، فكيف سيكون مثلهم؟ فجعل لهم طريقة سهلة في ذلك، أن يعملوا الذي عليهم، والذي يقدرون عليه، فيكونون بذلك قد فعلوا الذي عليهم، ولكن هناك شيء آخر يوصلك إلى هؤلاء الأخيار، وهذا الشيء هو أن تحبهم، أن تحب الله عز وجل، وأن تحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن تحب الصحابة رضوان الله عليهم، وأن تحب التابعين لهم بإحسان، فإذا كنت تحب هؤلاء فالله عز وجل يوصلك إلى منزلة هؤلاء بعملك المتواصل، فتحاول حتى تصل، فالإنسان يتمنى أن يحفظ القرآن كله، فيحاول ويجتهد فلا يستطيع، وبما أنه يحب حفاظ القرآن فالله عز وجل قد يجعله معهم، بمحاولته للحفظ وبحبه لهؤلاء، فقال صلى الله عليه وسلم: (ولا يحب رجلاً قوماً إلا جعله الله معهم، والرابعة لو حلفت عليها رجوت ألا آثم)، وحاشا له صلى الله عليه وسلم أن يحلف على خطأ، أو على كذب، يقول: (لا يستر الله عبداً في الدنيا، إلا ستره يوم القيامة)، فهذا وعد، وهذا شيء عظيم من كرم رب العالمين سبحانه، أنه إذا ستر عبداً في الدنيا ستره يوم القيامة، وما من عبد إلا وله خطأ، فقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث: (كل ابن آدم خطاء وخير الخطاءين التوابون)، فإذا وقع عبد في معصية، فندم وتاب واستغفر وستر على نفسه، وأصلح عمله، فلم يفضحه الله عز وجل ولم يطلع أحداً على ذلك فتاب، فستره في الدنيا، فهذا وعد منه سبحانه أنه يستره أيضاً يوم القيامة.
فإذا كان العبد قد ستره الله بالليل، وفضح نفسه بالنهار، فقال: أنا عملت كذا وكذا، ويحكي عن نفسه ما فعل من الذنوب ويفضح نفسه فهو مفضوح في الدنيا وفي الآخرة، فهنا: الوعد أن الله إذا ستر العبد في الدنيا، والعبد ستر نفسه، لا يفضحه الله يوم القيامة، والعكس كذلك.
ومن الأحاديث التي جاءت في ذلك: حديث عبد الله بن قرط رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة في الصلاة، فإن صلحت صلح سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله)، فالصلاة أعظم شيء يتقرب الإنسان بها إلى الله بعد التوحيد، فإذا جاء يوم القيامة سأله الله عز وجل عن الصلاة، فإذا صلحت هذه الصلاة وأداها كما أمر الله سبحانه حيث ينادى بها، صلح باقي العمل وأصبح سهلاً، فالله عز وجل يغفر ويتجاوز، وإذا ضاعت الصلاة ضاع منه باقي العمل، والله سبحانه وتعالى يقول: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، ومستحيل أن الإنسان يحسن صلاته، ويتقنها بوضوئها وبخشوعها وبركوعها وسجودها وقيامها، ثم بعد ذلك يكون تاركاً للصوم، وتاركاً للزكاة، وتاركاً للنوافل، لا يمكن ذلك أبداً؛ لأن الله أخبرنا أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
فالمعنى: أن الصلاة هذه باب العبادة الكبير، الذي إذا دخل منه الإنسان أحسن جميع العبادات، والعبد يوم القيامة إذا وافى ربه بصلاة صحيحة مقبولة، فيقيناً أن باقي العمل سيكون صحيحاً كذلك.
وإذا كانت الصلاة فاسدة، وضيعها العبد، ضيع باقي عمله في الدنيا، نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.