أحاديث أخرى يذكرها الحافظ المنذري في الترغيب في الصلوات الخمس، منها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه ونحوه حديث لـ أبي الدرداء رضي الله عنه، ولفظ حديث أبي الدرداء: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة)، أي: خمس صلوات، فالإنسان المؤمن يؤمن بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويؤمن بالقدر خيره وشره، ومصدق بثواب هذه الصلوات عند الله سبحانه، فإذا جاء بهذه الصلوات مع الإيمان ويأتي بأربعة أشياء غير الصلوات، قال: (خمس من جاء بهن مع إيمان)، إذاًَ: فالأصل: الإيمان، ثم الخمس الأشياء التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (من حافظ على الصلوات الخمس، على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن)، الصلوات الخمس، ولكنها ليست مجردة، أنه صلى فقط، بل أقام الصلاة وحافظ عليها، وليست صلاة واحدة فقط، بل الخمس الصلوات وكل يوم يواظب على ذلك، ويحافظ على هذه الصلوات حيث ينادى بهن، ويحافظ على وضوئهن، ويحافظ على ركوعهن وسجودهن، ومواقيتهن، وهنا فصل النبي صلى الله عليه وسلم حتى لا يظن الإنسان أنه يصلي صلاة سريعة، صلاة لا يذكر الله عز وجل فيها إلا قليلاً، وفي آخر وقتها، ويتكاسل عنها، صلاة يجمعها إلى غيرها من غير عذر، ويظن أنه داخل تحت هذا الحديث.
فقوله صلى الله عليه وسلم: (حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن) يعني: أحسن الوضوء، وأسبغ الوضوء وأتقنه، ثم دخل في الصلاة فحافظ على الركوع وعلى السجود، أما الذي يصلي فلا يذكر الله عز وجل فيها إلا قليلاً، صلاة يجمعها إلى غيرها من غير عذر، فليس بداخل تحت هذا الحديث، فمن حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن، يعني: أحسن الوضوء، وأسبغ الوضوء وأتقنه، ثم دخل في الصلاة فحافظ على الركوع وعلى السجود، وعلى مواقيت الصلاة، ويصليها على أول وقتها، ويسمع النداء فيذهب إلى بيت الله عز وجل يصلي، فهو داخل تحت هذا الحديث، وكذلك إذا صلت المرأة في بيتها، فحافظت على ذلك، على الوضوء، وعلى الركوع، وعلى السجود فلا يسرع الإنسان في الركوع والسجود، ولا ينقرها نقر الغراب، ولكن يتقن الصلاة، ويتقن القراءة ويحسن، ويتقن التسبيح في الركوع، ثم يقول: (سمع الله لمن حمده) ويطمئن قائماً، ثم يسجد لله عز وجل ويطمئن ساجداً، فإذا حافظ على ذلك فهي الأولى.
والثانية قال: (وصام رمضان).
والثالثة قال: (وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا).
والرابعة قال: (وآتى الزكاة طيبة به نفسه).
فهذه أربعة أشياء مع إيمان، ومع كلمة التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله بحق.
والخامسة قال: (وأدى الأمانة)، إذاً: الأصل: كلمة التوحيد: الإيمان بالله عز وجل على ما ذكرنا، ثم هذه الخمسة الأشياء: الصلوات، صيام رمضان، أداء فريضة الحج إن استطاع إليه سبيلاً، آتى الزكاة، أدى الأمانة، (قيل: يا رسول الله! وما أداء الأمانة؟ قال: الغسل من الجنابة، إن الله لم يأمن ابن آدم على شيء من دينه غيرها)، فهذه أداء الأمانة.
فالإنسان الذي يكون على جنابة لا أحد يعرف أنه على جنابة، والمرأة التي جاءها الحيض ثم طهرت من الحيض، لا أحد يعرف أنها طهرت من الحيض إلا هي تعرف عن نفسها ذلك، فجعل الله عز وجل أمانة على هذا العبد: أنه يتطهر بعد زوال السبب الذي منعه من الصلاة، فجعلها أمانة، لا أحد يراقب أحداً على هذا الشيء: هل أتى وقت الدورة للمرأة أم لم يأت؟ انتهى حيضها أم لم ينته؟ فهي مؤتمنة على فرجها، مؤتمنة على ذلك، والله ائتمن العبد على ذلك.
وقد ذكر الله الأمانة في القرآن: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب:72]، والأمانة: التكاليف الشرعية، والله عز وجل هو الذي يعلم أن الإنسان العبد يؤديها بإتقان أو بغير إتقان، يؤديها بشروطها وأركانها على الصحة أم لا، يؤديها مخلصاً لله عز وجل أم لا، فإذا أدى الأمانة كان له عند الله عز وجل أن يدخله الجنة.
في حديث عبادة بن الصامت: (خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن ولم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن) وكأن الإنسان يضيع الصلوات مستخفاً بها، ومحتقراً للعقوبة، فليس في ذهنه أن الله سيحاسبه على ذلك، فلا يستحضر هذا الشيء، فيستخف بها، وهذا يستحق العذاب الأليم عند رب العالمين إذا شاء سبحانه.
لكن الذي يأتي بهن ولا يستخف بهن، ولا يضيع منهن شيئاً، وفي الرواية الأخرى: (من أحسن وضوءهن بوقتهن، وأتم ركوعهن وسجودهن وخشوعهن، كان له عهد على الله أن يغفر له)، إذا جاء بالصلاة على الوجه الذي يريده الله عز وجل ويقبله منه، كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة.
والذي يفعل خلاف ذلك: فلا يأتي بالصلاة في أول وقتها، بل يتركها لآخر وقتها، ويجمع الصلاة مع الصلاة بغير عذر، ويضيع الركوع، ويضيع السجود، ولا يتقن صلاته، ولا يتقن وضوءه، فهذا لا عهد له عند الله.
نضرب مثلاً على ذلك: العهد في القتال: عندما يأتي الأمير في القتال أو القائد ويعطي العهد للذين يقاتلونهم، فيقول له: أعطيك أماناً، أمنتك، فلن يؤذيه بشيء، والذي يصلي قد أعطاه الله هذا الأمان، وأعطاه هذا العهد، يصلي على الكيفية التي ذكرناها، هذه الكيفية: هي الصلاة التي أمر الله بها عز وجل في القرآن، وأرادها، ووعد عليها الأجر والثواب في الدنيا:: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت:45]، وفي الآخرة: له عند الله عهد ألا يعذبه، وله عند الله عهد أن يدخله الجنة.
فإذا لم يأت بهذه الصلاة على هذه الكيفية، فلا أمان له عند الله، ولا عهد له عنده سبحانه، فهو يقدم على خطر عظيم جداً، إن شاء ربه سبحانه غفر له، هذا أمر لله عز وجل، وإن شاء عذبه العذاب الأليم بذلك، قال في كتابه: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ} [الماعون:4 - 6].