ومن الأحاديث الدالة على فضل الفقراء والمساكين ما في الصحيحين من حديث حارثة بن وهب رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ألا أخبركم بأهل الجنة؟ كل ضعيف متضعف لو أقسم على الله لأبره).
وذلك لأن الإنسان عندما يكون فقيراً ضعيفاً يكون متواضعاً، ويشعر أن كل الناس أحسن منه، فيتواضع معهم، والناس ينظرون إليه على أنه ضعيف، فهو في نفسه يقول: أنا ضعيف، وهو عند الناس كذلك، وأمثال هذا هم أكثر أهل الجنة.
وقوله: (لو أقسم على الله لأبره)، أي: أن هذا الذي ينظر إليه الناس أنه ضعيف لو أقسم على الله لأبره، يعني: أنه لو دعا ربه سبحانه: يا رب! أقسمت عليك بك أن افعل لي كذا وكذا، فيفعل الله عز وجل ما يطلبه هذا الإنسان الفقير.
فلا تحتقر فقيراً أبدا، فإنك لا تدري لعل قوته في دعائه، وقوته في استجارته بربه سبحانه واستغاثته به.
ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة الأقوياء: (وهل تنصرون إلا بضعفائكم)، أي: أن النصر ليس بقوتكم أنتم، ولكن بدعوة هؤلاء الضعفاء وإن كنا مأمورين بإعداد القوة.
إذاً: أهل الجنة هم الضعفاء من المؤمنين.
أما أهل النار فقد قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأهل النار، كل عتل جواظ مستكبر).
العتل: الإنسان الجافي، الذي لا يسمع النصيحة ولا يقبلها، بل يتعالى ويستكبر، تقول: اتق الله، فيقول لك: اتق الله أنت مالك ومالي، فلا يرضى ولا يستمع للنصيحة.
فالنبي صلى الله عليه وسلم بين أن كل عتل غليظ جافٍ، وقلبه قاسٍ، فهو من أهل النار.
والجواظ: الضخم، إنسان ضخم، ومختال، ومتعال على الخلق، فهذا الإنسان يرى أن عنده مالاً فهو جموع منوع، يستكبر على الخلق، وينظر إليهم بازدراء، فأمثال هذا هم أهل النار، مع أنه في الدنيا طويل وعريض وسمين وثقيل، ولكنه لا يزن عند الله جناح بعوضة، فيوم القيامة ليس له أي قيمة، ويحشر هؤلاء الجبارون المستكبرون كأمثال الذر يدخلهم الله ناراً تلظى، نسأل الله العفو والعافية.
وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أهل النار وأهل الجنة، فقال لـ سراقة بن مالك بن جعشم: (يا سراقة! ألا أخبرك بأهل الجنة وأهل النار؟ قال: قلت: بلى يا رسول الله! قال: أما أهل النار: فكل جعظري جواظ مستكبر)، أي: أن أهل النار: كل جعظري، وهو الإنسان المتكبر، وكأنها ألفاظ مترادفة، وإن كان بعضها يزيد على بعض في المعنى، لكنها كلها تدل على أنهم متكبرون، فالنبي صلى الله عليه وسلم ذكر هنا صفة وراء صفة وكلها تدل على الكبر، فقالوا: الجعظري: المتكبر الجافي، والغليظ الفظ.
والجواظ هو: الإنسان الأكول الشروب الكفور الجموع المنوع، فأهل النار من صفاتهم أنهم أغنياء، وعندهم أكل وشرب، وعندهم صحة، وعندهم بدن، ولهم قوة ورياسة، ويستكبرون على الخلق، ولا يقبلون نصح الخلق، فهؤلاء هم من أهل النار.
فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم (أن أهل الجنة هم الضعفاء المغلوبون)، لذلك يجب على المؤمن إذا صادق أحداً أن لا يترك أهل الجنة وهم الفقراء والمساكين، بل عليه أن يرحمهم ويحبهم ويتقرب منهم؛ لعلهم ينفعونه في الدنيا والآخرة.
نسأل الله عز وجل العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.
وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.